ولما تشوفت النفس إلى جوابهم، أعلم سبحانه بأنهم بهتوا فقال :﴿قالت يا أيها الملؤا﴾ ثم بينت ما داخلها من الرعب من صاحب هذا الكتاب بقولها :﴿أفتوني﴾ أي تكرموا عليّ بالإبانة عما أفعله ﴿في أمري﴾ هذا الذي أجيب به عن هذا الكتاب، جعلت المشورة فتوى توسعاً، لأن الفتوى الجواب في الحادثة، والحكم بما هو صواب مستعار من الفتاء في السن الذي صفرة العمر ؛ ثم عللت أمرها لهم بذلك بأنها شأنها دائماً مشاورتهم في كل جليل وحقير، فكيف بهذا الأمر الخطير، وفي ذلك استعطافهم
٤٢٣
بتظيمهم وإجلالهم وتكريمهم، فقال :﴿ما كنت﴾ أي كوناً ما ﴿قاطعة أمراً﴾ أي فاعلته وفاصلته غير مترددة فيه ﴿حتى تشهدون*﴾ وقد دل على غزارة عقلها وحسن أدبها، ولذلك جنت ثمرة أمثال ذلك طاعتهم لها في المنشط والمكره، فاستأنف تعالى الإخبار عن جوابهم بقوله :﴿قالوا﴾ أي الملأ مائلين إلى الحرب :﴿نحن أولو قوة﴾ أي بالمال والرجال ﴿وأولو باس﴾ أي عزم في الحرب ﴿شديد * والأمر﴾ راجع وموكول ﴿إليك﴾ أى كل من المسالمة والمصادمة ﴿فانظري﴾ بسبب أنه لا نزاع معك ﴿ماذا تأمرين*﴾ أي به فإنه مسموع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٠
ولما علمت أن من سخر له الطير على هذا الوجه لا يعجزه شيء يريده، ولا أحد بكيده، مالت إلى المسالمة، فاستأنف سبحانه وتعالى الإخبار عنها بقوله :﴿قالت﴾ جوباً لم اأحست في جوابهم من ميلهم إلى الحرب أن الصواب من غير ارتياب أن نحتال في عدم قصد هذا الملك المطاع ؛ ثم علل هذا أفهمه سياق كلامها بقولها ﴿إن الملوك﴾ أي مطلقاً، فكيف بهذا النافذ الأمر، العظيم القدر ﴿إذا دخلوا قرية﴾ أي عنوة بالقهر والغلبة ﴿أفسدوها﴾ أي بالنهب والتخريب ﴿وجعلوا اعزة قومها اذلة﴾ أي بما يرونهم من الباس، ويحلون بهم السطوة.


الصفحة التالية
Icon