ولما ذهب الرسل، وعلم صلى الله عليه السلام مما رأى من تصاغرهم لما رأوا من هيبته وجلاله الذي حباه به ربه وعظمته أنهم يأتون بها مذعنة ﴿قال﴾ لجماعته تحقيقاً لقوله :﴿وأوتينا من كل شيء﴾ لإعلامه بأنها استوثقت من عرشها :﴿يا ايها الملؤ﴾ أي الأشراف ﴿أيّكم يأتيني بعرشها﴾ لترى بعض ما تاني الله من الخوارق، فيكون أعون على متابعتها في الدين، ولآخذه قبل أن يحرم أخذه بإسلامها، وأختبر به عقلها ﴿قبل أن يأتوني﴾ أى هي وجماعتها ﴿مسلمين*﴾ أي منقادين لسلطاني، تاركين لعز سلطانهم، منخلعين من عظيم شأنهم، ليكون ذلك أمكن في إقامة الحجة عليها في نبوتي وأعون على رسوخ الإيمان في قلبها وإخلاصها فيه ﴿قال عفريت﴾.
ولما كان هذا اللفظ يطلق على الأسد، وعلى المارد القوي، وعلى الرجل النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء وقوة - وقال الرازي : مع خبث ومكر - وعلى غيره، بينه بأن قال :﴿من الجن أنا﴾ الداهية الغليظ الشديد ﴿آتيك به﴾ ولما علم أن غرضه الإسراع قال :﴿قبل أن تقوم من مقامك﴾ أي مجلسك هذا، ثم أوثق الأمر وأكده بقوله :﴿وإني عليه﴾ أي الإتيان به سالماً ﴿لقوي﴾ لا يخشى عجزي عنه ﴿أمين*﴾ لا يخاف انتفاضي شيئاً منه.
ولما كانت القصة لإظهار فضل العلم المستلزم للحكمة، دلالة على أنه تعالى حكيم عليم، ترغيباً في القرآن، وحثاً على ما أفاده من البيان، قال حاكياً لذلك استئنافاً جواباً لاستشراقه ﷺ لأقرب من ذلك :﴿قال الذي عنده﴾.


الصفحة التالية
Icon