ولما كانت مع ذلك قد شبه عليها ولم تصل إلى حاق الانكشاف مع أنها غلبت على عرشها مع الاحتفاظ عليه، استحضر ﷺ ما خصه الله به من العلم زيادة في حثه على الشكر، فقال عاطفاً على ما تقديره : فأوتيت من أمر عرشها علماً، ولكنه يخالجه شك، فدل على أنها في الجملة من أهل العلم المهيئي للهداية، أو يكون التقدير بما دل عليه ما يلزم من قولها ﴿كأنه﴾ : فجهات أمر عرشها على كثرة ملابستها له :﴿وأوتينا﴾ معبراً بنون الواحد المطاع، لا سيما والمؤتى سبب لعظمة شرعية، وهو العلم الذي لا يقدر على إيتائه غير الله، ولذلك بني الفعل للمفعول لأن فاعله معلوم ﴿العلم﴾ أي
٤٢٨
بجميع ما آتانا الله علمه، ومنه أنه يخفى عليها ﴿من قبلها﴾ أي من قبل إتيانها، بأن عرشها يشتبه عليها، أو من قبل علمها بما ظنت من أمر عرشها، أو أنا وأسلافي من قبل وجودها، فنحن عريقون في العلم، فلذلك نحن على حقيقة من جميع أمورنا، وإنما قال :﴿ننظر أتهتدي﴾ بالنسبة إلى جنوده.
ثم ذكر السبب في وجود العلم واتساعه وثباته فقال :﴿وكنا﴾ أي مع العلم الذي هيأنا الله له بما جعل في غرائزنا من النورانية ﴿مسلمين*﴾ أي خاضعين لله تعالى عريقين في ذلك مقبلين على جميع أوامره بالفعل على حسب أمره كما أشار أليه قوله تعالى :﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ [البقرة : ٢٨٢]، ﴿يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ [يونس : ٩].
ولماكان المعنى : وأما فإنها وإن أوتيت علماً فلم يكن ثابتاً، ولا كان معه دين، ترجمه بقوله :﴿وصدها﴾ أي هي عن كمال العلم كما صدها عن الدين ﴿ما﴾ أي المعبود الذي ﴿كانت﴾ أي كوناً ثابتاً في الزمن الماضي ﴿تعبد﴾ أي عبادة مبتدئة ﴿من دون الله﴾ أي غير الملك الأعلى الذي له الكمال كله أو أدنى رتبة من رتبته، وهي عبادة الشمس ليظهر الفرق بين حزب الله الحكيم العليم وحزب إبليس لسفيه الجهول.


الصفحة التالية
Icon