ولما كان ذلك ربما أوهم أن الهلاك عم الفريقين قال :﴿وأنجينا﴾ بعظمتنا ﴿الذين آمنوا﴾ أو وهم الفريق الذين كانوا مع صالح عليه السلام كلهم ﴿وكانوا يتقون*﴾ أى متصفين بالتقوى اتصافاً كأنهم مجبولون عليه، فيجعلون بينهم وبين ما يسخط ربهم وقايه من الأعمال الصالحة، والمتاجر الرابحة.
وكذلك نفعل بكل من فعل فعلهم، قيل : كانوا أربعة آلاف، ذهب بهم صالح عليه السلام إلى حضرموت، فلما دخلوها مات صالح عليه السلام، فسميت بذلك.
ولما فرغ من قصة القريب الذي جعا قومه فإذا هم قسمان، بعد الغريب الذي لم يختلف عليه ممن دعاهم اثنان، اتبعها بغريب لم يتبعه ممن دعاهم إنسان، فقال دالاً على أنه له سبحانه الاختيار، فتارة يجري الأمور على القياس، واخرى على خلاف الأساس، الذي يقتضيه عقول الناس، فقال :﴿ولوطاً﴾ أي ولقد أرسلناه ؛ وأشار إلى
٤٣٤
سرعة إبلاغه بقوله :﴿إذ﴾ أي حين ﴿قال لقومه﴾ أي الذين كان سكن فيهم لما فارق عمه إبراهيم الخليل عليه السلام وصاهرهم، وكانوا يأتون الأحداث، منكراً نوبخاً :﴿أتأتون﴾ ولما كان لللإبهام ثم التعيين من هز النفس وترويعها ما ليس للتعيين من أول الأمر قال :﴿الفاحشة﴾ أي الفعلة المتناهية في القبح ﴿وأنتم تبصرون*﴾ أي لكم عقول تعرفون بها المحاسن والمقابح، وربما كان بعضهم يفعله بحضرة بعض كما قال ﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ [العنكبوت : ٢٩] فيكون حينئذ من البصر والبصيرة ؛ ثم أتبع هذا الإنكار إنكاراً آخر لمضمون جملة مؤكدة أتم التأكيد، إشارة إلى أن فعلتهم هذه مما يعي الواصف، ولا يبلغ كنه قبحها ولا يصدق ذو عقل أن أحداً يفعلها، فقال معيناً لما أبهم :﴿أئنكم لتأتون﴾ وقال :﴿الرجال﴾ تنبيهاً على بعدهم عما يأتونه إليهم، ثم علله بقوله :﴿شهوة﴾ إنزالاً لهم إلى رتبة البهائم التي ليس قصد ولد ولا عفاف ؛ وقال :﴿من دون﴾ أي إتاناً مبتدئاً من غير، أو أدنى رتبة من رتبة ﴿النساء﴾ إشارة إلى أنهم أساؤوا من الطرفين في الفعل والترك.


الصفحة التالية
Icon