ولما كان الجواب عند كل عاقل : لا وعزته! قال معرضاً عنهم للإيذان بالغضب :﴿بل هم﴾ أي في جعائهم معه سبحانه شريكاً ﴿قوم يعدلون*﴾ أي عن الحق الذي لا مرية فبه إلى غيره، مع العلم بالحق، فيعدلون بالله غيره.
ولما فرغ من آية اشترك فيها الخافقان، ذكر ما تتفرد به الأرض، لأنها اقرب إليهم وهم بحقيقتها وما لا بسوه من أحوالها أعلمم منهم بالأمور السماوية، تعديداً للبراهين الدالة على تفرده بالفعل الدال على تفرده بالإلهية، فقال مبدلاً من ﴿أمَّن خلق﴾ :﴿أمَّن﴾ أي أم فعل ذلك الذي ﴿جعل الأرض قراراً﴾ أي مستقرة في نفسها ليقر عليها غيرها، وكان القياس يقتضي أن تكون هاوية أو مضطربة كما يضطرب ما هو معلق في الهواء.
ولما ذكر قرارها، أتبعه دليله في معرض الامتنان فقال :﴿وجعل خلالها﴾ أى في الأماكن المنفرجة بين جبالها ﴿أنهاراً﴾ أي جارية هلى حالة واحدة، فلو اضطربت الأرض أدنى اضطراب، لتغيرت مجاري المياه بلا ارتياب.
ولما ذكر الدليل، ذكر سبب القرار فقال :﴿وجعل لها رواسي﴾ أي كمارسي السفن، كانت أسباباً في ثباتها على ميزان دبره سبحانه في مواضع من أرجائها بحيث اعتدلت جميع جوانبها فامتنعت من الاضطراب.
ولما أثبت القرار وسببه، وكان قد جعل سبحانه للأنهار طرقاً تتصرف فيها ولو حبسها عن الجري شيء لأوشك أن تستبحر، فيصير أكثر الأرض لا ينتفع به في سير ولا
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon