تهويله، أو أن إدراك العلم من حيث التهويل بقيام الأدلة التي هي أوضح من الشمس، فهم بها في قوة من أدرك علمه بالشيء، وهو معرض عنه، فقد فوّت على نفسه من الخير ما لا يدري كنهه، ثم نزل درجة أخرى بالشك ثم أهلكها بالكلية، وأنزلها العمى عن رتبة البهائم التي لا همّ لها إلا لذة البطن والفرج، وهذا كمن يسمع باختلاف المذاهب وتضليل بعضهم لبعض فيضلل بعضهم من غير نظر في قوله فيصير خابطاً خبط عشواء، ويكون أمره على خصمه هيناً أو الشك لأجل أن أعمالهم أعمال الشاك، أو أنهم لعدم علم الوقت بعينة كأنهم في شك بل عمى، ولأن العقول والعلوم لا تستقل بإدراك شيء من أمرها، وإنما يؤخذ ذلك عن الله بواسطة رسله من الملك والبشر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٤
ومن أخذ شيئاً من علمها عن غيرهم ضل.
ولما كان التقدير لحكاية كلامهم الذي يشعر ببلوغ العلم، فقالوا مقسمين جهد أيمانهم : لا تأتينا الساعة، عطف عليه ما يدل على الشك والعمى، وكان الأصل : وقالوا، ولكنه قال :﴿وقال الذين كفروا﴾ أى ستروا دلائل التوحيد والآخرة التي هي أكثر من أن تحصى وأوضح من الضياء، تعليقاً للحكم بالوصفن مستفهمين استفهام المستبعد المنكر :﴿إذا كنا تراباً وآباؤنا﴾ وكرروا الاستفهام إشارة إلى تناهي الاستبعاد والجحود، وعد ما استبعدوه محالاً، فقالوا :﴿أئنا﴾ أى نحن وآباؤنا الذين طال العهد بهم، وتمكن البلى فيهم ﴿لمخرجون*﴾ أي من الحالة التي صرنا إليها من الموت والبلى إلى ما كنا عليه قبل ذلك من الحياة والقوة، ثم أقاموا الدليل في زعمهم على ذلك فقالوا تعليلاً لاستبعادهم :﴿لقد وعدنا﴾.


الصفحة التالية
Icon