ولما كانوا لا يقتصرون على التكذيب، بل يبغون للمؤمنين الغوائل، وينصبون الحبائل، قال :﴿ولا تكن﴾ مثبتاً للنون لأنه في سياق الإخبار عن عنادهم واستهزائهم مع كفايته سبحانه وتعالىلمكرهم بما أعد لهم من سوء العذاب في الدارين، فلا مقتضى للتناهي في الإيجاز والإبلاغ في نفي الضيق، فيفهم إثبات النون الرسوخ، فلا يكون منهياً عما لا ينفك عنه العسر مما أشار إليه قوله تعالى ﴿ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون﴾ وإنما ينهى عن التمادي معه في الذكر بخلاف ما مضى في النحل، فإن السياق هناك للعدل في العقوبة لما وقع من المصيبة في غزوة أحد المقتضى لتعظيم التسلية بالحمل على الصبر، ونفي جميع الضيق ليكون ذلك وازعاً عن مجاوزة الحد، بل حاملاً على العفو ﴿في ضيق﴾ أي في الصدر ﴿مما يمكرون*﴾ فإن الله جاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح.
٤٤٧
ولما أشار إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهاً، أشار إلى أنهم بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشد مبالغة، فقالك ﴿ويقولون﴾ بالمضارع المؤذن بالتجدد كل حين للاستمرار :﴿متى هذا الوعد﴾ وسمه وعداً إظهاراً للمحبة تهكماً به، وهو العذاب والبعث والمجازاة ﴿إن كنتم﴾ أي أنت ومن تابعك، كوناً هو في غاية الرسوخ، كما تزعمون ﴿صادقين*﴾ فأجابهم على هذا الجواب الغ بجواب الواسع القادر الذي لا يعتريه ضيق، ولا تنويه عجلة، مشيراً إلى الاستعداد للدفاع أو الاستسلام لذي الجلال والإكرام، كما فعلت بلقيس رضي الله عنها، فقال مخاطباً الرأس الذي لا يقدر على هذه التؤدة حق القدرة غيره :﴿قل﴾ يا محمد ﴿عسى﴾ أي يمكن ﴿أن يكون﴾ وجديروخليق بأن يكون ﴿ردف﴾ أي تبع ردفاً حتى صار كالرديف ولحق.


الصفحة التالية
Icon