اي الذي أحكم هذه الأمور كلها ﴿خبير بما يفعلون*﴾ أي لأن الإتقان نتيجة القدرة، وهي نتيجة العلم، فمن لم يكن شامل العلم لم يكن تام القدرة، وعبر بالفعل الذي هو أعم من أن يكون بعلم أو لانه في سياق البيان لعماهم، ونفي العلم عنهم، وقرىء بالخطاب المؤذن بالقرب المرجي للرضا، المرهب من الإبعاد، المقرون بالسخط، وبالغيبة المؤذنة بالإعراض الموقع في الخيبة، وما أبدع ما لاءم ذلك ولا حمه ما بعده على تقدير الجواب لسؤال من كأنه قال : ماذا يكون حال أهل الحشر مع الدخور عند الناقد البصير ؟ فقال : من إتقانه للأشياء أنه رتب الجزاء أحسن ترتيب ﴿من جاء بالحسنة﴾ أي الكاملة وهي الإيمان ﴿فله﴾ وهو من جملة إحكامه للأشياء ﴿خير﴾ أي أفضل ﴿منها﴾ مضاعفاً، أقل ما يكون عشرة أضعاف إلى ما لا يعلمه إلا الله، وأكرمت وجوهم عن النار، وهؤلاء أهل القرب الذين سبقت لهم الحسنى ﴿وهم من فزع يومئذ﴾ أي إذا وقعت هذه الأحوال، العظيمة الأهوال ﴿آمنون*﴾ أي حتىى لا يحزنهم الفزع الأكبر، فانظر إلأى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، وأخذ بعضه بحجزه بعض، كأنما أفزع إفزاعاً واحداً، ولأمر ما أعجز القوي، وأخرس الشقاشق والادعاء ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ أي التي لا سئة مثلها، وهي الشرك لقوله :﴿فكبت﴾ أي بأيسر أمر ﴿وجوههم في النار﴾ مع أنه ورد في الصحيح أن مواضع السجود - التي أشرفها الوجوه - لا سبيل للنار عليها، والوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا هان كان ما سواه أولى بالهوان، والمكبوب عليه منكوس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
ولما كانوا قد نكسوا أعمالهم وعكسوها بعبادة غير الله، فوضعوا الشيء في غير موضعه، فعظموا ما حقه التحقير، واستهانوا أمر العلي الكبير.