ولما كان المراد إنما هو قص ما هو من الأخبار العظيمة بياناً للآيات بعلم الجليلات والخفيات، والمحاسبة والمجازاة، لا جميع الأخبار، قال :﴿من نبأ موسى وفرعون﴾ أي بعض خبرهما العظيم متلبساً هذا النبأ وكائناً ﴿بالحق﴾ أى الذي يطابقه الواقع، فإنا ما أخبرنا فيه بمستقبل إلا طابقه الكائن عند وقوعه، ونبه على أن هذا البيان كما سبق إنما ينفع أولى الإذعان بقوله :﴿لقوم يؤمنون*﴾ أي يجددون الإيمان في كل وقت عند كل حادثة لثبات إيمانهم، فعلم أن المقصود منها هنا الاستدلال على نبوة محمد ﷺ الأمي بالاطلاع علىالمغيبات، والتهديد بعلمه المحيط، وقدرته الشاملة، وأنه ما شاء كان ولا مدفع لقضائه، ولا ينفع حذر من قدرة، فصح أنها دليل على قوله تعالى آخر تلك ﴿سيريكم آياته فتعرفونها﴾ الآية، ولذلك لخصت رؤوس أخبار القصة، والسلام وأمة وفرعون وغيرهم إلى ما تراه من الحكم التي لا يطلع عليها إلا عالم بالتعلم أو بالوحي، ومعلوم لكل مخاطب بذلك انتفاء الأول عن المنزل عليه هذا الذكرُ صلى الل عليه وسلم، فانحصر الأمر في الثاني، يوضح لك هذا المرام مع هذه الآية الأولى التي ذكرتها قوله تعالى في آخر القصة ﴿وما كنت بجانب الغربي﴾ ﴿وما كنت بجانب الطور﴾ واتباع القصة بقوله تعالى :﴿ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون﴾ فالمراد بهذا السياق منها كما ترى غير ما تقدم من سياقاتها كما مضى، فلا تكرير في شيء من ذلك - والله الهادي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٠


الصفحة التالية
Icon