ولما كان التقدير بما دل عليه العاطف : فكفر تلك النعمة، عطف عليه قوله :﴿وجعل﴾ بما جعلنا له من نفوذ الكلمة ﴿أهلها﴾ أي الرض المرادة ﴿شيعاً﴾ أي فرقاً يتبع كل فرقة شيئاً وتنصره، والكل تحت قهره وطوع أمره، قد صاروا معه كالشياع، وهو دق الحطب، فرق بينهم لئلا يتمالؤوا عليه، فلا يصل إلى ما يريد منهم، فافترقت كلمتهم فلم يحم بعضهم لبعض فتخاذلوا فسفل أمرهم، فالآية من الاحتباك، ذكر العلو أولاً دليلاً على السفول ثانياً، والافتراق ثانياً دليلاً على الالجتماع أولاً، جعلهم كذلك حال كونه ﴿يستضعف﴾ أي يطلب ويوجد أن يضعف، أو هو اشتئناف ﴿طائفة منهم﴾ وهم بنو إسرائيل الذين كانت حياة جميع أهل مصر على يدي واحد منهم، وهو يوسف عليه السلام.
وفعل معهم من الخير ما لم يفعله والد مع ولده، ومع ذلك كافؤوه في أولاده وإخوته بأن استبعدوهم، ثم ما كفاهم ذلك حتى ساموهم على يدي هذا العنيد سوء العذاب فيا بأبي الغرباء بينهم قديماً وحديثاً، ثم بين سبحانه الاستضعاف بقوله :
٤٦٣
﴿يذبح﴾ أ يتذبيحاً كثيراً ﴿أبناءهم﴾ أي عند الولادة، وكل بذلك أناساً ينظرون كلما ولدت امرأة ذكراً ذبحوه خوفاً على ملكه زعم من مولود منهم ﴿ويستحي نساءهم﴾ أى يريد حياة الإناث فلا يذبحن.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٠
ولما كان هذا أمراً متناهياً في الشناعة، ليس مأموراً به من جهة شرع ما، ولا له فائدة اصلاً، لأن القدر - على تقدير صدق من أخبره - لا يرده الحذر، قال تعالى مبيناً لقبحه، شارحاً لها أفهمه ذلك من حالهك ﴿إنه كان﴾ أي كوناً راسخاً ﴿من المفسدين*﴾ أي الذين لهم عراقة في هذا الوصف، فلا يدع أن يقع منه هذا الجزئي المندرج تحت ما هو قائم به من الأمر الكلي.


الصفحة التالية
Icon