الزمان بصفة العريقة في العدوان، وإن كان هذا الكلام منه على حقيقته فلا شيء أثبت شهادة على غفراط جهله وغباوته منه حيث ظن أنه يصل السماء ؛ ثم علل على تقدير الوصول يقدر على الآرتقاء على ظهرها، ثم على تقدير ذلك على منازعة بانيها وسامكها ومعليها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٨
ولما قال هذا مريداً به - كما تقدم - إيقاف قومه عن إتباع الحق، اتبعه تعالى الإشارة إلى أنهم فعلوا ما أراد، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى :﴿واستكبروا﴾ أى وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه ﴿هو﴾ بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل ﴿وجنوده﴾ ببانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل ﴿في الأرض﴾ أي أرض
٤٩٠
مصر، ولعله عرفها إشارة إلى أنه لو قدر على ذلك في غيرها فعل ﴿بغير الحق﴾ أى استكباراً مصحوباً بغير هذه الحقيقة، والتعبير بالتعريف يدل على أن التعظيم بنوع من الحق ليس كبراً وإن كانت صورته كذلك، وأما تكبره سبحانه فهو بالحق كله، وعطف على ذلك ما تفرع عنه وعن الغباوة ايضاً ولذا لم يعطفه بالفاء، فقال :﴿وظنوا﴾ أى فرعون وقومه ظناً بنوا عليه اعتقادهم في أصل الدين الذي لا يكون إلا بقاطع ﴿أنهم إلينا﴾ أي إلى حكمنا خاصة الذي يظهر عنده انقطاع الأسباب ﴿لا يرجعون*﴾ أي لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك اجنرؤوا على ما ارتكبوه من الفساد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٨
ولما تسبب عن ذلك إهلاكهم قال :﴿فأخناه﴾ أى بعظمتنا أخذ قهر ونقمة ﴿وجنوده﴾ أي كلهم، وذلك علينا هين، وأشار إلى احتقارهم بقوله :﴿فنبذناهم﴾ أى على صغرهم وعظمتنا ﴿في اليم﴾ فكانوا على كثرتهم وقوتهم كحصيات صغار قذفها الرامي الشديد الذراع من يده في البحر، فغابوا في الحال، وما آبوا ولا أحد منهم إلى أهل ولا مال.


الصفحة التالية
Icon