ولما أمرهم بأمره بالإتيان، ذكر شرطه من باب التنزل، لإظهار النصفة، وهو في الحقيقة تهكم بهم فقال :﴿إن كنتم﴾ أيها الكفار! كوناً راسخاً ﴿صادقين*﴾ أي في أنا ساحران، فائتوا ما ألزمتكم به.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٦
ولما كان شرط صدقهم، بين كذبهم على تقدير عدم الجزاء فقال :﴿فإن لم يستجيبوا﴾ أيالكفار الطالبون للأهدى في الإتيان به.
ولما كانت الاستجابة تتعدى بنفسها إلى الدعاء، وباللام إلى الداعي، وكان ذكر الداعي أدل على الاعتناء به والنظر إليه، قال مفرداً لضميره ﷺ لأنه لا يفهم المقايسة في الأهدوية غيره :﴿لك﴾ أي يطلبوا الإجابة ويوجدوها في الإيمان أوالإتيان بما ذكرته لهم ودعوتهم إليه مما هو أهدى، من القرآن والتوراة ليظهر صدقهم ﴿فاعلم﴾ أنت ﴿أنما يتبعون﴾ أى بغاية جهدهم فيما هم عليه من الكفروالتكذيب ﴿أهواءهم﴾ أى دائماً، وأكثر الهوى مخلف للهدى فهم ظالمون غير مهتدين، بل هم أضل الناس، وذلك معنى قوله :﴿ومن أضل﴾ أى منهم، ولكنه قال :﴿ممن اتبع﴾ أي بغاية جهده ﴿هواء﴾ تعليقاً للحكم بالوصف ؛ والتقييد وبقوله :﴿بغير هدى﴾ أي بيان وإرشاد ﴿من الله﴾ أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال دليل على أن الهوى قد يوافق الهدى، والتعبير بالافتعال دليل على أن التابع وإن كان ظالماًُ قد لا يكونن أظلم.
ولما كانت متابعة الهوى على هذا الصورة ظلماً، وصل به قوله مظهراً لئلا يدعى
٤٩٨
التخصيص بهم :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا راد لأمره ﴿لا يهدي﴾ وأظهر موضع الإضمار للتعميم فقال :﴿القوم الظالمين*﴾ أي وإن كانوا أقوى الناس لاتباعهم أهوائهم، فالآية من الاحتباك : أثبت أولاً اتباع الهوى دليلاً على حذفه ثانياً، وثانياً الظلم دليلاً على حذفه أولاً.


الصفحة التالية
Icon