ولما صبر لا يتم إلا بالاتصاف بالمحاسن والانخلاع من المساوىء، قال عاطفاً على ﴿يؤمنون﴾ مشيراً إلى تجديد هذه الأفعال كل حين :﴿ويدرءون بالحسنة﴾ من الأقوال والأفعال ﴿السيئة﴾ أي من ذلك كله فيمحونها بها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٦
ولما كان بعض هذا الدرء لا يتم إلا بالجود قال :﴿ومما رزقناهم﴾ أي بعظمتنا، لا بحول منهم ولا قوة، قليلاً كان أو كثيراً ﴿ينفقون*﴾ معتمدين في الخلق على الذي رزقه ؛ قال البغوي : قال سعيد بن جبير : قدم مع جعفر رضي الله تعالى عنه من الحبشة أربعون رجلاً، يعني : فأسلموا، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا النبي ﷺ في أموالهم، فأتوا بها فواسوا بها المسلمين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٦
٥٠٠
ولما ذكر أن السماح بما تضن النفوس به من فضول الأموال من أمارات الإيمان، أتبعه أن حزن ماتبذله اللسن من فضول الأقوال من علامات العرفان، فقال :﴿وإذا سمعوا اللغو﴾ أي ما لا ينفع في دين ولا دنيا منشتم وتكذيب وتعبير ونحوه ﴿أعرضوا عنه﴾ تكرماً عن الخنا ﴿وقالوا﴾ أي واعظاً وتسميعاً لقائله :﴿لنا﴾ أي خاصة ﴿أعمالنا﴾ لا تثابون على شيء منها ولا تعاقبون ﴿ولكم﴾ أي خاصة ﴿أعمالكم﴾ لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشتغل بالرد عليكم لأن ذمكم لنا لا ينقصنا شيئاً من أجرنا ولا الاشتغال برده ينقصنا.
ولما كان معنى هذا أنم سالمون منهم، صرحوا لهم به فقالوا :﴿سلام عليكم﴾ أي منا.
ولما جرت العادة با، مثل هذا لا يكسر اللاغي، ويرد الباغي، أشاروا لهم إلى قبح حالهم، رداً على ضلالهمن بقولهم تعليلاً لما مضى من مقالهم :﴿لا نبتغي﴾ أي لا نلكف ئأنفسنا أن نطلب ﴿الجاهلين*﴾ أى نريد شيئاً من أحوالهم وأقوالهم، أو غير ذلك من خلالهم.


الصفحة التالية
Icon