ولما أفهم هذا أن غيره سبحانه إذا أراد شيئاً لم يكن إلا أن يوافق مراده تعالى، صرح به بقوله :﴿ما كان لهم الخيرة﴾ أي أن يفعلوا أو يفعل لهم كل ما يختارونه من إتيان الرسول بمثل ما أتىى به موسى عليه الصلاة والسلام أو غيره، اسم من الاختيار، يقام مقام المصدرن وهو أيضاً اسم المختار، فهو تعبير بالمسبب عن السبب لأنه إذا خلى عنه كان عقيماً فكان عدماً، قال الرازي في اللوامع : وفيه دليل على أن العبد في اختياره غير مختار، فلهذا أهل الرضى حطوا الرحال بين يدي ربهم، وسلموا الأمور إليه بصفاء التفويض، يعني فإن أمرهم أو نهاهم بادروا، وإن أصابهم بسهام المصائب العظام صابروا، وإن أعزهم أعزوا أنفسهم وأكرموا، وإن أذلهم رضول وسلموا، فلا يرضيهم إلا ما يرضيه، ولا يريدون لا ما يريده فيمضيه :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٠
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه لا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة حباً لذكرك فليلمني اللوم أهنتني فأهنت نفسي صاغراً ما من يهون عليك ممن أكرم.
ولما كان إيقاع شيء على غير مراده نقصاً، وكان وقوع الشرك سفولاً وعجزاً، قال تعالى مشيراً إلى نتيجة هذه الآيات في نفي ذلك عنه :﴿سبحان الله﴾ أي تنزه الجامع لصفات الكمال عن أن يختار أحد شيئاً لا يريده فيص إليه أو يقع بوجه عليه ﴿وتعلى﴾
٥١٢
أي علا علو المجتهد في ذلك، فعلوُّه لا تبلغ العقول بوجه كنه هداه ﴿عما يشركون*﴾ لأنه لا إرادة لما ادعوهم شركاء، ولو كانت لهم إرادة لتوقف إنفاذها لعجزهم على إيجاد الخالق.
ولما كانت القدرة لا تتم إلا بالعلم، قال :﴿وربك﴾ أي المحسن إليك المتولي لتربيتك، كما هو بالغ القدرة، فهو شامل العلم ﴿يعلم ما تكن﴾ أي تخفي وتستر ﴿صدورهم﴾ من كونهم يؤمنون على تقدير أن تأتيهم آيات مثل ىيات موسى أو لا يؤمنون، ومن كون ما أظهر من أظهر منهم الإيمان بلسانه أو مشوباً.