حين كذبه ونسبه إلى السحر وتكبر عليه، فلم يسأل الله تعالى فيه لخروجه باستكباره من الوعد بالمنة على الذين استضعفوا في الأرض، وكان ذلك العذاب الذي عذبوا به من جنس ما عذب به فرعون في الصورة من حيث إنه تغييب وإن كان ذلك في مائع، وهذا صلب جامد، ليعلم أنه قادر على ما يريد، ليدوم منه الحذر، فيما سبق منه القضاء والقدر، ونزع موسى عليه الصلاة والسلام من كل سبط من أسباط بني إسرائيل شهيداً من عصبهم وقال لهم : هاتوا برهانكم فيها، فعلموا بإبراق عصا هاورن عليه الصلاة والسلام دون عصيهم أن الحق لله في أمر الحبورة وفي جميع امره فقال :﴿إن قارون﴾ ويسمى في التوراة قورح، ثم بين سبب التأكيد بقوله :﴿كان﴾ أي كوناً متمكناً ﴿من قوم موسى﴾ تنبيهاً على أنه جدير بأن ينكر كونه كذلك لأنه فعله معهم لا يكاد بفعله أحد مع قومه، وذلك أنه كان من الذين آمنوا به وقلنا فيهم ﴿ونريد أن نمن على الذين﴾ إلى آخره، لأنه ابن عم موسى عليه الصلاة والسلام على ما حكاه أبو حيان وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿فبغى عليهم﴾ أي تجاوز الحد في احتقارهم بما خولناه فيه من هذا الحطام المتلاشي، والعرض الفاني، فقطع ما بينه وبينهم من الوصلة، ووصل ما بينه وبينهم من الوصلة، ووصل ما بينه وبين فرعون وأضرابه، من الفرقة، فأخرجه ذلك من حوزة المنة والأمانة والوراثة إلى دائرة الهلاك والحقارة والخيانة، كما ينبغي ان يكون له إرادة، بل الإرادة لسيده كما نبه عليه ﴿ما كان لهم الخيرة﴾، جعلت إرادته تجاوز الحد، وعديت ب " على المقتضية للاستعلاء تنبيهاً على خروجها عن أصلها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٦