﴿لا يريدون﴾ ولم يقل يتعاطون - مثلاً، تعظيماً لضرر الفساد بالتنفير منكل ما كان منه تسبب، إعلاماً بأن النفوس ميالة إليه نزاعة له فمهما رتعت قريباً منه اقتحمته لا محالة ﴿علواً﴾ أي شيئاً من العلو ﴿في الأرض﴾ فإنه أعظم جارّ إلى الفساد، وإذا أرادوا شيئاً من ذلك فيما يظهر لك عند أمرهم بمعروف أو نهيهم عن منكر، كان مقصودهم به علو كلمة الله للإمامة في الدين لا علوهم ﴿ولا فساداً﴾ بعمل ما يكره الله، بل يكونون على ضد ما كان فيه فرعون وهامان وقارون، من التواضع مع الإمامة لأجل حمل الدين عنهم ليكون لهم مثل أجر من اهتدى بهم، لا لحظ دنيوي، وعلامة العلو لأجل الإمامة لا الفساد إلا يتخذوا عباد الله خولاً، ولا مال الله دولاً، والضابط العمل بما يضي الله والتعظيم لأمر الله والعزوف عن الدنيا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٧
ولما كان شرح حال الخائفين من جلال الله تعالى، أخبر سبحانه أنه دائماً يجعل ظفرهم آخراً، فقال معبراً بالاسمية دلالة على الثبات :﴿والعاقبة﴾ أي الحالة الأخيرة التي تعقب جميع الحالات لهم في الدنيا والآخرة، هكذا الصل، ولكنه أظهر تعميماً وإعلاماً بالوصف الذي أثمر لهم ذلك فقال تعالى :﴿للمتقين*﴾ أي دائماً في كلا الدارينن لا عليهم فمن اللام يعرف أنها محمودة، وهذه الآية يُعْرَف أهل الآخرة من أهل الدنيا، فمن كان زاهداً في الأولى مجتهداًُ في الصلاح، وكتن ممتحناً في أول أحواله مظفراً في ماله، فهو من أبناء الآخرة، وإلا فهو للدنيا.