ولما كانت هذه القصة مسلمة لا نزاع فيها لعاقل تثبت الخالق، وكانوا يقولون : من ادعى رجوعه فهو ضال، توجه السؤال عن المهتدي إلى الصواب والضال، بما يشهد به فتح مكة عند الإقبال في أؤلئك الضراغمة الأبطال، والسادة الأقيال، فقال في أسلوب الاستفهام لإظهار الإنصاف والإبعاد من الاتهام :﴿من جاء بالهدى﴾ أي الذي لا أبين منه، أنا فيما جئت به من ربي بهذا الكلام الذي يشهد الله لي بإعجازه أنه من عنده أم أنتم فيما تقولون من عند أنفسكم ؟ ﴿ومن هو في ضلال﴾ أي أنتم في كلامكم الظاهر العوار العظيم العار أن أنا ﴿مبين*﴾ أي بين في نفسه مظهر لكل أحد ما فيه من خلل وإن اجتهد التابع له في ستره.
ولما كان الجواب لكل من أنصف : هم في ضلال مبين لأنهم ينحتون من عند أنفسهم ما لا دليل عليه، وأنت جئت بالهدى لأنك أتيت به عن الله، بني عليه قوله :﴿ما﴾ ويجوز أن تكون الجملة حالاً من الضمير في ﴿عليك﴾ وما بينهما اعتراض للاهتمام بالرد على المنكر للمعاد، أى فرضه عليك والحال أنك ما، ويجوز أن يقال : لما كان رجوعه إلى مكة غاية البعد لكثرة الكفار وقلة الأنصار، قربه بقوله معلماً أم كثيراً من الأمور تكون على غير رجاء، بل وعلى خلاف القياس : وما ﴿كنت ترجوا﴾ أي في سلاف الدهر بحال من الأحوال ﴿أن يلقى﴾ أى ينزل على وجه لم يقدر
٥٣٠


الصفحة التالية
Icon