من بلده ومنشأه ليأخذه عليه الصلاة ولاسلام بأوفر حظ مما ابتلي به الرسل والأنبياء من مفارقة الوطن وما يحرز لهم الأجر المناسب لعليّ درجاتهم عليهم السلام، ثم بشارته ﷺ آخراً بالعودة والظفر ﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ [القصص : ٨٥] فأعقب سبحانه هذابقوله معلماً للعباد ومنبهاً أنها سنته فيهم فقال ﴿أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ أي أحسبوا أن يقع الاكتفاء بمجرد استجابتهم، وظاهر إنابتهم، ولما يقع امتحانهم بالشدائد والمشقات، وضروب الاختبارات ﴿ولنبلونكم بشيء من الجوع والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات﴾ [البقرة : ١٥٥] فإذا وقع الابتلاء فمنفريق يتلقون ذلك تلقي العليم أنذلك بمرضاة الشيطان، والمسارعةة إلى الكفر والخذلان ﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه﴾ ثم أتبع سبحانه هذا بذكر حال بعض الناس ممن يدعي الإيمان، فإذا أصابه أدنى أذى من الكفار صرفه ذلك عن إيمانه، فكان عنهد مقاوماً بعذاب الله الصارف لمن ضربه عن الكفر والمخالفة فقال تعالى ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله﴾ فكيف حال هؤلاء في تلقي ما هو أعظم من الفتنة، وأشد في المحنة، ثم أتبع سبحانه ذلك بما به يتأسى الموفق من صبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وطول مكايدتهم من قومهم، فذكر نوحاً وإبراهيم ولوطاً وشعيباً عليهم الصلاة والسلام، وخص هؤلاء بالذكر لأنهم من أعظم الرسل مكابدة وأشدهم ابتلاء، أما نوح عليه السلام فليث في قومه - كما أخبر الله تعالى - ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل، وأما إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرمى بالمنجنيق في النار فكانت عليه برداً وسلاماً، وقد نطق الكتاب العزيز بخصوص المذكورين عليهم الصلاة والسلام وزبضروب من الابتلاءات حصلوا على ثوابها، وفازوا من عظيم الرتبة النبوية العليا بأسنى نصابها، ثم ذكر تعالى أخذ المكذبين من أممهم