ولما كان الامتحان سبباً لكشف مخبآت الإنسان بل الحيوان، فيكرم عنده أو يهان، وأرشد السياق إلى أن المعنى : فلنفتنهم، نسق به قوله :﴿فليعلمن الله﴾ أى الذي له الكمال كله، بفتنة خلقه، علماً شهودياً كما كان يعلم ذلك علماً غيبياً، ويظهره لعباده ولو بولغ في ستره، وعبر بالاسم الأعظم الدال على جميع صفاتالكمال التفاتاً عن مظهر العظمة إلى أعظم منه تنبيهاً للناقصين - وهم أكثر الناس - على أنه منزه عن كل لا يطلع عليه أحد ﴿الذين صدقوا﴾ في دعواهم الإيمان ولو كانوا في أدنى مراتب الصدق، وليعلمن الصادقين، وهم الصابرون الدين يقولون عند البلاء ﴿هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله﴾ فيكون أحدهم عند الرخاء براً شكوراً، وعند البلاء حراً صبوراً، وليعلمن الذين كذبوا في دعواهم ﴿وليعملن الكاذيبن*﴾ أي الراسخين في الكذب الذين يعبدون على حرف، فإن اصابهم خير اطمأنوا به وإن أصابيهم فتنة انقليوا على وجوههم، فظنوا، فيكون لكل من الجزاء على حسب ما كشف منه البلاء، والتعبير بالمضارع لتحقق الاختبار، على تجدد الأعصار، لجمعي الأخبار والأشرار، فمن لم يجاهد نفسه عند الفتنة فيطيع في السراء والضراء كان من الكافرين فكان في جهنم ﴿أليس في جهنم مثوى للكافرين﴾ ومن جاهد كان من المحسنين، والآية من الاحتباك : دل بالذين صدقوا على الذين كذبوا، وبالكاذبين على الصادقين، ذكر الفعل أولا دليلاً على تقدير ضده ثانياً، والاسم ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣٣


الصفحة التالية
Icon