ولما كان الصالح في الغالب سيىء الحال في الدنيا ناقص الحظ منها، فكان عدوه ينكر أ، يحسن حاله أشد إنكار، أكد قوله :﴿لندخلنهم﴾ أى بوعد لا خلف فيه ﴿في الصالحين*﴾ وناهيك به من مدخل، فإنه من أبلغ صفات المؤمنين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٣٩
ولما كانت ترجمة ما مضى من قسم الراجي والمجاهد والعامل للصالح : فمن الناس - كما اشير إليه - من يؤمن بالله، فإذا أوذى في الله صبر واحتسب انتظاراً للجزاء من العلي الأعلى، ولكنه حذف من كل جملة ما دل عليه بما ذكر في الأخرى، عطف عليه :﴿ومن الناس﴾ أي المذبذبين ﴿من يقول﴾ أي بلسانه دون طمأنينة من قلبه :﴿آمنا بالله﴾ أي الذي اختص بصفات الكمال، وأشار بعد الإيماء إلى كثره هذا الصنف بالإسناد إلى ضمير الجمع - إلى أن الأذى في هذه الدار ضربة لازب لا بد منهن بقوله بأداة التحقيق :﴿فإذا أوذي﴾ أى فتنة له واختباراً من أيَّ مؤذ كان ﴿في الله﴾ أي بسبب كونه في سبيل الله الذي لا يداينه في عظمته وجميع صفاته شيء، ببلاء يسلط به عباده عليه ﴿جعل﴾ أى ذلك الذي ادعى الإيمان ﴿فتنة الناس﴾ أي بما له بما يصيبه من أذاهم في جسده الذي إذا مات انقطع أذاهم عنه ﴿كعذاب الله﴾ أي المحيط بكل شيء، فلا يرجى الانفكاك منه، فيصرف المعذب بعد الشماخة والكبر إلى الخضوع والذل، لأن لا كفؤ له ولا مجير عليه، فلا يطاق عذابه، لأنه على كل من الروح والجسد، لا يمكن مفارقته لهما ولا لواحد منهما بموت ولا بحياة إلا بإرادته حتى يكون عمل هذا المعذب عند عذاب الناس له الطاعة لهم في جميع مايأمرون به ظاهراً وباطناً، فيتبين حينئذ أنه كلن كاذباً في دعوى الإيمان، وقصر الرجاء على الملك الديان، وأشار إلى أن الفتنة ربما استمرا إلى الممات وطال زمنها بالتعبير بأداة الشك، وأكد لاستبعاد كل سامع أن يقع من أحد بهت في قوله :﴿ولئن جاء نصر﴾ أي لحزب الله الثابتي الإيمان.