ولما كان السياق للفتنة والأذى في الله المحقق أمره بإذا دون " أن " وكان الكفار يفتنون من أسلم في أول الأمر، ذكر سبحانه بعض ما كانوا يقولون لهم عند الفتنة جهلاً بالله وغروراً، فقال معجباً منهم، عاطفاً على ﴿ومن الناس من يقول﴾ :﴿وقال الذين كفروا﴾ اغتراراً منهم بالله، وجرأة على حماه المنيع ﴿للذين﴾ أي لطائفة من يقول بلسانه : آمنا بالله، وهم الذين ﴿آمنوا﴾ أي حقيقة، جهلاً منهم بما خالط قلوبهم من بشاشة الإيمان، وأنوار العرفان :﴿اتبعوا﴾ أي كلفوا أنفسكم بأن تتبعوا ﴿سبيلنا﴾ أي طريق ديننا، وعطفوا وعدهم في مجازاتهم على ذلك بصيغة الأمر على أمرهم باتباعهم للدلالة على أنه محقق لا شك فيه فقالوا :﴿ولنحمل خطاياكم﴾ بوعد صادق وأمر محتوم جازم، إن كان ما تقولون حقاً إنه لا بد لنا من معاد نؤاخذ فيه بالخطايا، ولو دروا لعمري ما الخبر، يوم يقولون : لا مفر، ما عرضوا أنفسهم لهذا الخطر، يوم يود كل امرىء لو افتدى بماله وبنيه، وعرسه وأخيه، وصديقه وأبيه، ويكون كلامهم - وإن كان أمراً - بمعنى الخبر لأنه وعد كذبه سبحانه لأن مهناه : إ، كتب عليكم إثم حملناه عنكم بوعد لا خلف فيه ﴿وما هم﴾ أي الكفار ﴿بحاملين﴾ ظاهراً ولا باطناً ﴿من خطايكم﴾ أي المؤمنين ﴿من شيء﴾ وهم يقدرون أن لا يحملوا، أو حملاً يخفف عنهم العذاب، أي أنهم إذا عاينوا تلك الأحوال، وطاشت عقولهم في بحار هاتيك الأهوال، التي لا يقوم لها الجبال، تبرؤوا ممن قالوا له هذا المقال، فقد أخبروا بما لا يطابق
٥٤١
الواقع، ويجوز أن يكونووا تعمدوا الكذب حال الإخبار إ، كانت نيتهم أنهم لا يفون على تقدير تحقق الجزاء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣٩
ولما علم من هذا كذبهم بكل حال سواء تعمدوا أو لا، صرح به تأكيداً لمضمون ما قبله، مؤكداً لأجل ظن من غروه صدقهم في قوله : مستأنفاً :﴿إنهم لكاذبون*﴾.