ولما كان كل نم أسلك أحداً طريقاً كان شريكه في عمله فيها، فكان عليه مثل وزره إن كانت طريق ردى، وله مثل أجره إن كانت سبيل هدى، قال تعالى مؤكداً لإنكارهم الآخرة وكل ما فيها :﴿وليحملن﴾ أي الكفرة ﴿أثقالهم﴾ التي حملوها أنفسهم الضعيفة بما اكتسبوا ﴿وأثقالاً﴾ أخرى لغيرهم ﴿مع اثقالهم﴾ بما تسببوا به من إضلال غيرهم، ومن تأصيل السنن الجائرة الجارية بعدهم، فمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص أحدهم من حمل الآخرة شيئاً.
ولما كان للسؤال على طريق الازدراء والإذلال، من الرعب في القلب ما ليس للأفعال قال :﴿وليسألن﴾ أى من كل من أمره المولى بسؤالهم ﴿يوم القيامة﴾ أي الذي هم به مكذبون، وله مستهينون والتأكيد إما لإنكارهم ذلك اليوم، أو لظن أن العالم لا يسأل عما يعلمه، ﴿عما كانوا﴾ أى بغاية الرغبة ﴿يفترون*﴾ أي يتعمدون كذبه، ويُعلمون أفكارهم في ارتكابه ويواظبون عليه، والتعبير بصيغة الافتعال يدل على أنهم كانوا يعلمون صدق الرسول ﷺ ويتعمدون الكذب في وعدهم لمن غروه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣٩
ولماكان السياق للبلاء والامتحان، والصبر على الهوان، وإثبات علم الله وقدرته على إنجاء الطائع وتعذيب العاصي، ذكر من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من طال صبره على البلاء، ولم يفتر عزمه عن نصيحة العباد على ما يعاملونه به من الأذى، تسلية لرسوله ﷺ واتابعيه رضي الله تعالى عنهم وتثبيتاً لهم وتهديداً لقريش، فقال عاطفاً على ﴿ولقد فتنا الذين من قبلهم﴾ ما هو كالشرح له، وله نظر عظيم إلى ﴿ولقد وصلنا لهم القول﴾ [القصص : ٥١] وأكده دفعاً لوهم من يقول : إن القدرة إلى التصرف في القلوب مغنية عن الرسالة في دار التسبب :﴿ولقد أرسنا﴾ أى على ما لنا من العظمة
٥٤٢