ولما كان تكرير الدعاء مع عدم الإجابة أدل علىالامتثال وعدم الملال، قال مسبباً عن لبثه فيهم ودعائه لهم ومعقباً له :﴿فأخذهم﴾ أي كلهم بالإغراق أخذ قهر وغلبة ﴿الطوفان﴾ أي من الماء، لأن الطوفان في الأصل لكل فاش طامّ محيط غالب ممتلىءكثرة وشدة وقوة من سيل أو ظلام أو موت أو غيرها، والمراد هنا الماء ﴿وهم ظالمون*﴾ أي عريقون في هذا الوصف، وهو وضع الأشياء في غير مواضعها فعل من يمشي في أشد الظلام، بتكذيبهم رسولهم، وإصرارهم على كفرهم، وهو ملازم لدعائهم ليلاً ونهاراً لم يرجع منهم عن الضلال إلا ناس لقتلهم لا يعدون ؛ ودل عليهم مسبباً عن ذلك بقوله :﴿فأنجيناه﴾ أى نوحاً عليه السلام بما لنا من العظمة التي لا يغلبها شيء ﴿وأصحاب السفينة﴾ من أولاده وأتباعه، من الغرق، وماذا يبلغ مقدار أهل سفينة واحدة في العدة والكثرة ﴿وجعلناها﴾ أي الفعلة أو السفينة أي نسها وجنسها، بتلك العظمة ﴿آية﴾ إي علامة على قدرة الله وعلمه وإنجائه للطائع وإهلاكه للعاصي ﴿للعالمين*﴾ فإن لم يقع في الدهر حادثة أعظم منها ولا أغرب ولا اشهر في تطبيق الماء جميع الرض، بطولها والعرض، وإغراق جميع من عليها من حيوان : إنسان وغير إنسان، وإنجاء ناس فيهم بما هيأ قبلالفعل من سبب ذلك المستمر نفعه على تكرار الأحقاب وتعاقب الأزمان، وكونها آية أما للآدميين الذين كانوا في ذلك الزمان فالأمر فيهم واضح، وأما غيرهم من الحيوان فقد عرفوا لمعرفتهم بالجزيئات المشاهدة أن ذلك الماء لا ينجى منه في دار الأسباب إلا هذه السفينة، فالهداية إلى فعلها للنجاة قبل وقوع سبب الهلاك دالة على تمام العلم وشمول القدرة، وأن من اهتدىإليه دون أهل ذلك العصر كلهم إنما اهتدى بإعلام الله دون غيره، ونصف الآية الأولى الأول من هذه القصة تسلية وتعزية دليلاً على آيتي الفتنة أول السورة، ونصفها الثاني تحذير وتوقية، وفيه دليل على الآية الثالثة، والآية الثالثة، والآية الأخرى تبشير وترجية،