ولما كان الإنسان محتاجاً أبداً، فكان لا يزال متوجهاً إلى من ينفعهن وكان قد أشار سبحانه إلى نقص معبوداتهم بنفي الخير عنها، صرح بعجزها، وأثبت اختصاصه بالخير، لينتج اسحقاقه للعبادة دونها وأكده رداً لما كانوا يتوهمونه ن نفعها وضرها فقال :﴿إن الذين تعبدون﴾ ضلالاً وعدولاً عن الحق الواضح ﴿من دون الله﴾ المحيط بصفات الكمال، المنزه عن شوائب الاختلال الذي لا يمكن أن يملأ جميع ما تحت رتبته شيء فكيف برتبته الشماء، وحضرته العلياء ﴿لا يملكون لكم﴾ أي وأنتم تعبدونها فكيف بغيركم ﴿رزقاً﴾ أي شيئاً من الرزق الذي لا قوام لكم بدونه، فتسبب عن ذلك قوله :﴿فابتغوا﴾ وأشار بصيغة الافتعال إلى السعي فيه، لأنه أجرى عادته سبحلنه أنه في الغالب لا يؤتيه إلا بكد من المرزوق وجهد، إما في العبادة والتوكل، وإما في السعي الظاهر في تحصيله بأسبابه الدنيوية " والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ".
ولما اشار إلى ذلك، اشار إل الإجمال في الطلب، وأن لا يعتقد أنهلا محالة في السبب، وإنما الأمر مع ذلك بيده، إن شاء أنجح وإن شاء خيب، بقوله :﴿عند الله﴾ أي الذي له كل صفة كمال ﴿الرزق﴾ أى كله، فغنه لا شيء منه إلا وهو بيده، وقد دخل فيه كل موجود، فإن الكل خلق لذلك، فأحكمت صنعته وربط بعضه ببعض، فلو نقص منه شيء لاختل النظام، فتبطل الأحكام ﴿واعبدوه﴾ أى عبادة يبلهان وهي ما كان خالصاً عن الشرك، فإن من يكون كذلك يستحق ذلك ويثيب العابد له، ويعاقب الزاهد فيه، فلا يشغلكم ابتغاء الرزق بالأسباب الظاهرة عن عبادته، فإنها هي الأسباب الحقيقية، فربما حرم العبد الرزق بالذنب يصيبه ﴿واشكروا﴾ أى اوقعوا الشكر ﴿له﴾ خاصة على ما أفاض عليكم من النعم ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إليه﴾ أي وحده ﴿ترجعون*﴾ أى معنى في الدنيا والآخرة بأنه لا حكم في الحقيقة لأحد سواه، وحساً بالنشر والحشر بعد الموت بأيسر أمر فيثيب الطائع ويعذب العاصي في الدارين.
٥٤٦


الصفحة التالية
Icon