جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٠
ولما كان الكافر يعتقد - لإنكاره البعث - أنه نكد حياته بالهجرة نكداً لا تدارك له، اقتضى الحال التأكيد في قوله :﴿وإنه في الآخرة﴾ أي التي هي الدار وموضع الاستقرار ﴿لمن الصالحين*﴾ الذين خصصناهم بالسعادة وجعلنا لهم الحسنى وزيادة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٠
٥٥٣
ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء، خص بالبسط في القص من لم يكن له ناصر من قومه، أو كان غريباً منها، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم : ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة، فقال :﴿ولوطاً﴾ أي أرسلناه، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله :﴿إذ﴾ أى وأرسناه حين ﴿قال لقومه﴾ أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما السلام، منكراً ما رأى من حالهم، وقبيح فعالهم، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر :﴿إنكم لتأتون الفاحشة﴾ أي المجاوزة للحد في القبح، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها.
ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقولهك ﴿ما سبقكم﴾ أو هي حال مبنية لعظيم جرأتهم على المنكر، أي غير مسبوقين ﴿بها﴾ وأعرق في النفي بقوله :﴿من أحد﴾ وزاد بقولهك ﴿من العالمين*﴾ أي كلهم فضلاً عن خصوص الناسح ثم كرر الإنكار تأكيداً لتجاوز قبحها الذي ينكرونه فقال :﴿أئنكم لتأتون الرجال﴾ إتيان الشهوة، وعطف عليها ما ضموه إليها من المناكر، بياناً لاستحقاق الذم من وجوه، فأوجب حالهم ظن أنهم وصلوا من الخبث إلى حد لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر، فقال ﴿وتقطعون السبيل*﴾ أي بأذى الجلابين والمارة.