ولما خص هذين الفسادين، عم دالاً على المجاهرة فقال :﴿وتأتون في ناديكم﴾ أي المكان الذي تجلسون فيه للتحدث بحيث يسمع بعضكم نداء بعض من مجلس المؤانسة، وهو ناد ما دام القوم فيه، فإذا قاموا عنه لم يسم بذلك ﴿المنكر﴾ أي هذا الجنس، وهو ما تنكره الشرائع والمروءات والعقول، ولا تتحاشون عن شيء منه في المجتمع الذي يتحاشى فيه الإنسان من فعل خلاف الأولى، من غير أن يستحي بعضكم من بعض ؛ ودل على عنادهم بقوله مسبباً عن هذه النصائح بالنهي عن تلك الفضائح :﴿فما كان جواب قومه﴾ أي الذين فيهم قوة ونجدة بحيث يخشى شرهم، ويتقي أذاهم وضرهم، لما أنكر عليهم ما أنكر ﴿إلا أن قالوا﴾ عناداً وجهلاً واستهزاء :﴿ائتنا بعذاب الله﴾ وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجرأة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٣
ولما كان الإنكار ملزوماً للوعيد بأمر ضار قالوا :﴿إن كنت﴾ أي كوناً متمكناً ﴿من الصادقين*﴾ أي في وعيدك وإرسالك، إلهاباً وتهييجاً.
٥٥٤
ولما كان كأنه قيل : بم أجابهم ؟ قيل :﴿قال﴾ أي لوط عليه الصلاةوالسلام معرضاً عنهم، مقبلاً بكليته على المحسن إليه :﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ ﴿انصرني على القوم﴾ أي الذين فيهم من القوة ما لا طاقة لي بهم معه ﴿المفسدين*﴾ بإتيان ما تعلم من القبائح.
ولما كان التقدير : فاستجبنا له فأرسلنا رسلنا بشرى لعمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولإهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام، تحقيقاً لانتقامنا من المجرمين، وإنعامنا على الصالحين، ولابتلائنا لمن نريد من عبادنا حيث جعلنا النذارة مقارنة للبشارة، عطف عليه قوله :﴿ولما جاءت﴾ وأسقط " أن " لأنه لم يتصل المقول بأول المجيء بل كان قبله السلام والإضافة ؛ وعظم الرسل بقولهك ﴿رسلنا﴾ أي من الملائكة تعظيماً لهم في أنفسهم ولما جاؤوا به ﴿إبراهيم بالبشرى﴾ أي بإسحاق ولداً له، ويعقوب ولداً لإسحاق عليهما الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon