رأوا ما لقي في أمرهم :﴿لا تخف﴾ أي من أن يصلوا إلينا أو من أن تهلك أنت أو أحد من أهل طاعتك ولا تحزن أي على أحد ممن نهلكه فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليهم بسببه ؛ ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد للإغناء به عن جمل طوال، إشارة إلى ان الوقت أرق فهو لا يحتمل التطويل :﴿إنا منجوك﴾ أي مبالغون في إنجائك ﴿وأهلك﴾ أي ومهلكوا أهل هذه القرية، فلا يقع ضميرك أنهم يصلون إلينا، وقالوا :﴿إلا امرأتك﴾ تنصيصاً على كل فرد منهم سواها ؛ ثم دلوا على هلاكها بقولهم جواباً لمن كأنه قال : ما لها ؟ فقيل :﴿كانت من الغابرين*﴾ أى كأن هذا الحكم في أصل خلقتها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٦
ولما أفهمت العبارة كما مضى إهلاكهم، صرحوا به فقالوا معينين لنوعهن معللين لما أخبروه به، مؤكدين إعلاماً بأن الأمر قد فرغ منه قطعاً لأن يشفع فيهم، جرياً على عادة الأنبياء في الشفقة على أممهم :﴿إنا منزلون﴾ أي لا محالة ﴿على أهل هذه القرية رجزاً﴾ أي عذاباً يكون فيه اضطراب شديد يضطرب منه من أصابه كائناً من كان ﴿من السماء﴾ فهو عظيم وقعه، شديد صدعه ﴿بما كانوا﴾ أي كوناً راسخاً ﴿يفسقون*﴾ أس يخرجون في كل وقت من دائرة العقل والحياء.
ولما كان التقدير : ففعلت رسلنا ما وعدوه به من إنجائه وإهلاك جميع قراهم، فتركناها، كأن لم يسكن بها أحد قط، عطف عليه قوله مؤكداً إشارة إلى فضيلة المخاطبين بهذه القصة من العرب وغيرهم، وأنه ليس بينهم وبين الهدى إلا تفكرهم في أمرهم مع الإنخلاع من الهوى :﴿ولقد تركنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿منها﴾ أي من تلك القرية ﴿آية﴾ علامة على قدرتنا على كل ما نريد ﴿بينة﴾ وهو الماء الأسود المنتن الذي غمر قراهم كلها بعد الخسف بها وهو مباين لجميع مياه الأرض لكونه ماء السخط لمن باينوا بفعلهم الخلق مع اشتهار كونه على الخسف.