ولما افاد هذا الخبر كله القرآن الذي لا حق أحقّ منه، ودل على أن فهم أمثاله يحتاج إلى مزيد علم، وأ، مفتاح العلم به سبحانه رسوخ الإيمان، خاطب رأس أهل الإيمان لأنه أعظم الفاهمين له ليقتدي به الأتباع فقال :﴿اتل ما﴾ أي تابع قراءته ؛ ودل على شرفه لا ختصاصه به بقوله :﴿أوحي إليك﴾ إذ الوحي الإلقاء سراً ﴿من الكتاب﴾ أي الجامع لكل خير، فإنه المفيد للإيمان، مع أنه الحق الذي خلقت السماوات والأرض لأجله، والإكثار في تلاوته يزيد بصيرة في أمرهن ويفتح كنوز الدقائق من علمه، وهو أكرم من أن ينيل قارئه فائده وأجلّ من أن يعطي قياد فوائده ويرفع الحجاب عن جواهره وفرائده في أول مرة، بل كلما ردده القارىء بالتدبر حباه بكنز من أسراره، ومهما زاد زاده من لوامع أنواره، إلى أن يقطع بأن عجائبه لا تعد، وغرائبه لا تحد.
ولما أرشد إلى مفتاح العلم، دل قانون العمل الذي لايصح إلا بالقرآن، وهو ما يجمع الهم، فيحضر القلب، فينشرح الصدر، فينبعث الفكر في رياض علومه، فقال :﴿وأقم الصلاة﴾ أي التي هي أحق العبادات، ثم علل ذلك بقوله دالاً بالتأكيد على فخامة أمرها، وأنه مما يخفى على غالب الناس :﴿إن الصلاة تنهى﴾ أي توجد النهي وتجدده للمواظب على إقامتها بجميع حدودها ﴿عن الفحشاء﴾ أي الخصال ألتي بلغ قبحها ﴿والمنكر﴾ أي الذي فيه نوع قبح وإن دق، وأقل ما فيها من النهي النهي عن
٥٦٣
تركها الذي هو كفر، ومن انتهى عن ذلك انشرح صدره، واتسع فكره، فعلم من أسرار القرآن ما لا يعلمه غير ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ [البقرة : ٢٨٢].