ولما كان الناهي في الحقيقة إنما هو ذكر الله، أتبع ذلك الحث على روح الصلاة والمقصد الأعظم منها، وهو المراقبة لمن يصلي له حتى كأنه يراه ليكون بذلك في أعظم الذكر بقوله :﴿ولذكر الله﴾ أي ولأن ذكر المستحق لكل صفة كمال ﴿أكبر﴾ أى من كل شيء، فمن استحضر ذلك بقلبه هان عنده كل شيء سواه "إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني عند لقاء قرنه" أو يكون المراد أن من واظب على الصلاة ذكر الله، ومن ذكره أوشك أن يرق قلبه، ومن رق قلبه استنار لبه، فأوشك أن ينهاه هذا الذكر المثمر لهذه الثمرة عن المعصية، فكان ذكر الذاكر له سبحانه أكبر نهياً له عن المنكر من نهي الصلاة له، وكان ذكره له سبحانه كبيراً، كما قال تعالى ﴿فاذكروني أذكركم﴾ وإذا كان هذا شأن ذكر العبد لمولاه، فما ظنك بذكر مولاه له كلما أقبل عليه بصلاة فإنه جدير بأن يرفعه إلى حد لا يوصف، ويلبسه من أنواره ملابس لا تحصر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٦١
ولما كان ذلك يحتاج إلى علاج لمعوج الطباع ومنحرف المزاج، وتمرن على شاق الكلف، ورياضة لجماح النفوس، وكان ﷺ قد نزه عن ذلك كله لما جبل عليه من أصل الفطرة، ثم بما غسل به قلبه نم ماء الحكمة، وغير ذلك من جليل النعمة، عدل إلى خطاب الأتباع يحثهم على المجاهدة فقال :﴿والله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿يعلم﴾ أي في كل وقت ﴿ما تصنعون*﴾ من الخير والشر، معبراً بلفظ الصنعة الدال على ملازمة العمل تنبيهاً على أن إقامة ما ذكر تحتاج إلى تمرن عليه وتدرب، حنى بصير طبعاً صحيحاً، ومقصوداً صريحاً.


الصفحة التالية
Icon