ولما كان التقدير : ولكنه لا ريبة لهم أصلاً ولا شبهة، لقولهم : إنه باطل، قال :﴿بل هو﴾ أي القرآن الي جئت به وارتابوا فيه فكانوا مبطلين لذلك على كل تقدير ﴿آيات﴾ أى دلالات ﴿بينات﴾ أي واضحات جداً في الدلالة على صدقك ﴿في صدرو الذين﴾ ولما كان المقصود المبالغة في تعظيم العلم، بني للمفعول، أظهر ما كان أصله الإضمار فقال :﴿أتوا العلم﴾ دلالة على أنه العلم الكامل النافع، فلا يقدر أحد على تحريف شيء منه لبيان الحق لديهم، وفي ذلك إشارة إلى أن خفاءه عن غيرهم لا أثر له، ولما كان المراد بالعلم النافع، قال إشارة إلى عظمته فقال :﴿بآياتنا﴾ أي ينكرها بعد المعرفة على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا والبيان الذي لا يجحده أحد ﴿إلا الظالمون*﴾ أي الراسخون في الظلم الذي لا ينتفعون بنورهم في وضع كل شيء في محله، بل هم في وضع الأشياء في غير محلها كالماشي في الظلام الذي تأثر عن وصفهم أولاً بالكفر الذي هو تغطية أنوار العقول.
ولما كان التقدير : فجحدوها بما لهم من الرسوخ في الظلم أصلاً ورأساً، ولم يعدوها آيات فضلاً عن كونها بينات، عطف عليه قوله :﴿وقالوا﴾ موهمين مكراً وإظهار النصفة بالاكتفاء بأدنى ما يدل على الصدق :﴿لولا﴾ أي هلا ﴿أنزل عليه﴾ أي على أي وجه كان من وجوه الإنزال ﴿آية﴾ أي واحدة تكون بحيث تلد قطعاً على صدق الآتي بها ﴿من ربه﴾ أي الذي يدعي إحسانه إليه كما أنزل على الأنبياء قبله من نحو ناقة صالح عصا موسى ونحوهما، انستدل به على صدق مقاله، وصحة ما يدعيه من حاله هذا على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبي بكر بالإفرادن وجمع غيرهم دلالة علة أن فريقاً آخر قالوا : إن مثل هذا المهم العظيم لا يثبت إلا بآيات متعددة، وأوهموا مكابرة وعناداً أن ذلك لم يقع، وإن وقع ما يسمى آية.