ولما أبلغ في الإنذار، وحذر من الأمور الكبار، ولم يمهل الإشارة إلى الصغار، وكانت هذه الآيات في المتعنتين من الكفار، وكتن قد كرر أن هذه المواعظ إنما هي
٥٧١
للمؤمنين، قال مخاطباً لهم معرضاً عن سواهم إذا كانت أسماعهم لبليغ هذه المواعظ قد أصغت، وقلوبهم لجليل هذه الإنذارات قد استقظت، التفاتاً على قراءة الجمهور إلى التلذيذ في المناجاة بالإفراد والإبعاد من مداخل التعنت :﴿يا عبادي﴾ فشرفهم بالإضافة، ولكنه لما أشار بأداة البعد إلى أن فيهم من لم يرسخ، حقق ذلك بقوله :﴿الذين آمنوا﴾ أى وإن كان الإيمان باللسان مع أدنى شعبة من القلب.
ولما كان نزول هذه السورة بمكة، وكانوا بها مستخفين بالعبادة خوفاً من الكفار، وكانت الهجرة الأهل والأوطان شديدة، قال مؤكداً تنبيهاً على أن حال من ترك الهجرة حال من يظن أن الأرض ضيقة :﴿إن أرضي واسعة﴾ أي في الذات والرزق وكل ما تريدون من الرفق، فإن لم تتمكنوا بسبب هؤلاء المعاندين الذين يفتنونكم في دينكم ويمنعونكم من الإخلاص إلى في أرضكم والاجتهاد في عبادتي حتى يصير الإيمان لكم وصفاً، فهاجروا إلى ارض تتمكنون فيها من ذلك.
ولما كانت الإقامة بها قبل الفتح مؤدية إلى الفتنة، وكان المفتون ربما طاوع بلسانه، وكان ذلك وإن كان القلب مطمئناً بالإيمان في صورة الشرك قال :﴿فإياي﴾ أي خاصة بالهجرة إلى ارض تأمنون فيها اعبدوا وتنبهوا ﴿فاعبدون*﴾ بسبب ما دبرت لكم من المصالح من توسيع الأرض وغيره، عبادة لا شرك فيها، لا باللسان ولا بغيره ولا استخفافاً بها ولا مراعاة لمخلوق في معصيته، ولا شيء يجر إليها بالهرب ممن يمنعكم من ذلك إلى من يعينم عليه.