ولما كانوا مع هذا الفعل - الذي لا يفعله إلا مسلوب العقل - يدعون أنهم أعقل الناس وأبصرهم بلوازم الأفعلا وما يشين الرجال، وكان فعلهم هذا كفراً للنعمة، مع ادعائهم أنهم أشكرالناس للمعروف، قال منبهاً أن عادتهم مخالفة لعادة المؤمنين في جعلهم نعمة النجاة سبباً لزيادة طاعاتهم، فعل أنه ما كا إخلاصهم في البحر إلا صورة لا حقيقة لها :﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ على عظمتنا من هذه النعمة التي يكفي في عظمتها أنه لا يمكن غيرنا أن يفعلها ما اشركوا إلا لأجل هذا الكفر، وإلا لكانوا فاعلين لشيء من غير قصد، فيكون ذلك فعل من لا عقل له اصلاً وهم يحاشون عن مثل ذلك ﴿وليتمتعوا﴾ بما يجتمعون عليه في الإشراك من التواصل والتعاون، وعند من سكن اللام - وهم ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع - يكون معطوفاً تهديداً على مقدر هو " فليكفروا " أو على ﴿ليكفروا﴾ السابق، على أن لامه للأمر، وسيأتي في الروم إن شاء الله تعالى ما يؤيده ﴿فسوف يعلمون*﴾ بوعد لا خلف فيه ما يحل بهم بهذا الفعل الذي هو دائر بين كفر وجنون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧٦
ولماكن قد فعل بهم سبحانه من الأمن الشديد المديد في البر دون سائر العربب عكس ما ذكر من حال خوفهم الشديد في البحر، وكان قادراً على إخافتهم في البر كمت قدر على إخافتهم في البحر ليدوم إخلاصهم، وكان كفرهم عند الأمن بعد الإخلاص عند الخوف - مع أنه أعظم النقائص - هزلاً لا يفعله إلا من أمن مثل تلك المصيبة في البر، توجه الإنكار في نحو أن يقال : إلم يروا أنا قادرون على إخافتهم وإهلاكهم في البر كما نحن قادرون على ذلك في البحر كما فعلنا بغيرهمن فعطف عليه قوله :﴿أولم يروا﴾ أي بعيون بصائرهم ﴿أنا جعلنا﴾ أي بعظمتنا لهم ﴿حرماً﴾ وقال تعالى :﴿آمناً﴾
٥٧٨


الصفحة التالية
Icon