من الانتهاب والقتل وسبي الذراري والحرم إنما هو بمنع الله وكرم صونه لمن جاور حرمه وبيته، وإلا فالروم أكثر عدداً وأطول مدداً، ومع ذلك تتكرر عليهم الفتكات والغارات، وتتوالى عليهم الغلبات، أفلا يشكر أهل مكة من أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ؟ وأيضاً فإنه سبحانه لما قال :﴿وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ [العنكبوت : ٦٤] أتبع ذلك سبحانه بذكر تقلب حالها، وتبين اضمحلالها، وأنها لا تصفو ولا تتم، وإنما حالها أبداً التقلب وعدم الثبات، فأخبر بأمر هذه الطائفة التي هي من أكثر أهل الأرض وأمكنهم وهوالروم، وأنهم لا يزالون مرة عليهم وأخرى لهم، فأشبهت حالهم هذه حال اللهو واللعب، فوجب اعتبار العاقل بذلك وطلبه الحصول على تنعم دار لا يتقلب حالها، ولا يتوقع انقلابها وزوالها، ﴿وإن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ ومما يقوي هذا المأخذ قوله تعالى " يعلمون " ظاهراً من الحياة الدنيا أي لو علموا باطنها لتحققوا أنها لهو ولعب ولعرفوا أمر ىلآخرة " من عرف نفسه ربه " ومما يشهد لكل من المقصدين ويعضد كلا الأمرين قوله سبحانه :﴿أو لم يسيروا في الأرض﴾ الآيات، أي لو فعلوا هذا وتأملوا لشاهدوا منتقلب أحوال الأمم وتغير الأزمنة والقرون ما بين لهم عدم إبقائها على أحد فتحققوا لهوها ولعبها وعلموا أن حالهم سيؤول إلى حال من ارتكب مرتكبهم في العناد والتكذيب وسء البياد والهلاك - انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٨٢