ولما ابتدأ سبحانه بما أوجبه للروم من القهر بتبديلهم، معبراً عنهم بأداة التأنيث مناسبة لسفولهم، أتبعه ما صنعه معهم لتفريج المحسنين من عبادة الذين ختم بهم الأمم ونسخ بملتهم الملل، وأدالهم على جميع الدول، فقال معبراً بما يقتضي الاستعلاء من ضمير الذكرو العقلاء :﴿وهم﴾ أي الروم، ودل على التببعيض وقرب الزمان بإثبات الجار فقال، معبراً بالجار إشارة إلى أن استعلاءهم إنما يكون في بعض زمان البعد ولا يدوم :﴿من بعد غلبهم﴾ الذي تم عليهم من غلبة فارس إياهم، وهو من إضافة المصدر إلى المفغول ﴿سيغلبون*﴾ فارساً، فأكد وعده بالسين - وهو غني عن التأكيد - جرياً على مناهيج القوم لما وقع في ذلك من إنكارهم ﴿في بعض سنين*﴾ وذلك منأدنى العدد لأنه في المرتبة الأولى، وهي مرتبة الآحاد، وعبر بالبضع ولم يعين إبقاء للعباد في ريقة نوع من الجهل، تعجيزاً لهم، وتحدياً لمن عاند بنفي ما أخبر به أو يعلم ما ستر
٥٨٤
منه، وتشريعاً للتعمية إذا قادت إليها مصلحة، وشرح ذلك أنه كان بين فارس والروم حروب متواصلة، وزحوف متكاثرة، في دهور متطاولة، إلى أن التقو في السنة الثامنة من نبوة نبينا محمد صلى الله عليهوسلم في زمن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، فظفرت فارس على الروم، أخج سنيد بن داود في تفسيره والواحدي في أسباب النزول والترميذي في تفسير سورة الروم من جامعة وغيرهم، وقد جمعت ما ذكروه، وبما دخلت حديث بعضهم في بعض.
قال سنيد عن عكرمة : كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الأبطال، فدعاها كسرى فقال : إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشاً، وأستعمل عليهم رجلاً من بينك، فأشيري عليَّ أيهم أستعمل، فأشارت عليه بولد يدعى شهربراز، فاستعمله على جيش أهل فارس وقال الأستاذ أبو علي أحمد بن محمد بن مسكوية في كتابه تجارب الأمم وعواقب الهمم، فقالت تصف بنيها : هذا فرحان أنفذ من سنان، هذا شهربراز أحكم من كذا، هذا فلان أروغ من كذا، فاستعمل ايهم شئت.