ولما تقدم هنا ذكر عمارة الأرض وإصلاحها للنبات ووعظ من جعلها أكبر همه بأنها لم تدم له ولا أغنت عنه شيئاً، ذكر أنه جزى من أعرض عنها بقلبه لاتباع أمره سبحانه أعهظم ما يرى من زهرتها ونضرتها وبهجتها على سبيل الدوام فقال :﴿فهم﴾ أي خاصة ﴿في روضة﴾ أي لا أقل منها وهي أرض عظيمة جداً منبسطة واسعة ذات ماء غذق ونبات معجب بهج - هذا أصلها في اللغة وقال الطبري : ولا تجد أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض.
﴿يحبرون*﴾ أى يسيرون على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه، وتبسم الأفواه، وتزهو العيون، فيظهر حسنها وبهجتها، فتظهر النعمة بظهور آتارها على أسهل الوجوه وأيسرها.
قال الرازي في اللوامع : وأصله - أي الحبرة - في اللغة أثر في حسن، وقال غيره : حبره - إذا سره سروراً تهلل له وجهه، وظهر فيه أثره.
﴿وأما الذين كفروا﴾ أي غطوا ما كشفته أنوار العقول، ﴿وكذبوا﴾ عناداً ﴿بآياتنا﴾ التي لا تصدق منها ولا أضوأ من أنوارها، بما لها من عظمتنا ﴿ولقآءى الآخرة﴾ الذي
٦٠٨
لم يدع لبساً في بيانه ﴿فأولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿في العذاب﴾ أى الكامل لا غيره ﴿محضرون*﴾ من أي محضر كان، بالسوق الحثيث، والزجر العنيف، فإذا وصلوا إلى مقره وكل بهم منيديم كونهم كذلك - لإفادة الجملة الاسمية الدوام، فلا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم.
ولما بين سبحانه المبدأ بخلق السماوات والأرض، والمعاد بالجنة والنار، وأنهم كذبوا به، وكان تكذيبهم به مستلزماً لاعتقاد نقائص كثيرة منها العجز وإخلاف الوعد وترك الحكمة، كان ذلك سبباً لأن ينزه سبحانه نفسه المقدسة ويأمر بتنزيهها، لأن ذلك يدفع عن المنزه مضار الوعيد، ويرفعه إلىمسار الوعد، فقال ذاكراً من أفعاله العالية التي لا مطمع لغيره في القدرة على شيء منها ما يدل على خلاف ذلك الذي يلزم اعتقادهم، لافتاً الكلام عن صيغة العظمة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم.


الصفحة التالية
Icon