ولما كان ذلك من العظمة بمكان يجل عن الوصف، اشار إليه بقوله مؤكداً لمعاملتهم له بالإعراض عما يهدي إليه معاملة من يدعي أنه جعل سدى من غير حكمة، مقدماً الجار إشارة إلى أن دلالته في العظم بحيث تتلاشى عندها كل آية، وكذا غيره مما ان هكذا علىنحو ﴿وما نريهم من آية إلا وهي أكبر من أختها﴾ [الزخرف : ٤٨] :﴿إن في ذلك﴾ أى الذي تقدم من خلق الأزواج على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع ﴿لآيات﴾ واضحات على قدرة فاعلة وحكمته.
ولما كان هذا المعنى مع كونه دقيقاً يدرك بالتأمل قال :﴿لقوم﴾ أي رجال أو في
٦١٣
حكمهمن لهم قوة وجد ونشاط في القيام بما يجعل إليهم ﴿يتفكرون*﴾ أي يستعملون افكارهم على القوانين المحررة ويجتهدون في ذلك.
ولما ذكر سبحانه الذكر والأنثى، المخلوقين من الأرض، وكانت السماء كالذكر للأرض التي خلق منها الإنسان، وكان خلقهما مع كونهما مخلوقين من غير شيء أعجب من خلقه فهو أدل على القدرة، وكان خلق الأرض التي هي كالأنثى متدماً على عكس ما كان في الإنسان، أتبعه ذكرهما بادئاً بما هو كالذكر فقال مشيراً - بعد ما ذكر من آيات الأنفس - إلى آيات الآفاق :﴿من آياته﴾ أي الدالة على ذلك، ولما كان من العجب إيجاد الخافقين من العدم إيجاداً مستمراً إلى حالة واحدة، عبر بالمصدر فقال :﴿خلق السماوات﴾ على علوها وإحكامها ﴿والأرض﴾ على اتساعها وإتقانها.
ولما كان من الناس من ينسب الخلق إلى الطبيعة، قال تعالى ذاكراً من صفات الأنفس ما يبطل تأثير الآفاق بأنفسها من غير خلقه وتقديره، وتكوينه وتدبيره :﴿واختلاف ألسنتكم﴾ أي لغاتكم ونغماتكم وهيئاتها، فلا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس ولا جهارة، لا حد ولا رخاوة، ولا لكنة ولا فصاحة، ولا إسهاب ولا وجازة، وغير ذلك من صفات النمطق وأحواله، ونعوته وأشكاله، وأنتم مننفس واحدة، فلو كان الحكم للطبيعة لم يختلف لأنه لا اختيار لها مع أن نسبة الكل إليها واحدة.