ولما كان جوابهم قطعاً : ليس لنا شركاء بهذا الوصف، كان التقدير، فلم تتبعوا في الإشراك بالله دليلاً، فنسق عليه :﴿بل﴾ وكان الأصل : اتبعتم، ولكنه أعرض عنهم، إيذاناً بتناهي الغضب للعناد بعد البيان، وأظهر الوصف الحامل لهم على ذلك تعميماً وتعليقاً للكم به فقال :﴿اتبع﴾ أى بتكليف أنفسهم خلاف الفطرة الأولى ﴿الذين ظلموا﴾ أي وضعوا الشيء في غير موضعه فعل الماشي في الظلام ﴿أهواءهم﴾ وهو ما يميل إليه نفوسهم.
ولماكان اتباع الهوى قد يصادف الدليل، وإذا لم يصادف وكان من عالم رده عنه علمه قال :﴿بغير علم﴾ إشارة إلى بعدهم في الضلال لأن الجاهل يهيم على وجهه بلا مرجح غير الميل كالبهيمة لا يرده شيء، وأما العالم فربما رده علمه.
ولما كان هذا ربما اوقع في بعض الأوهام أن هذا يغير إرادته سبحانه، دل بفاء السبب على أن التقدير : وهذا ضلال منهم بإرادة الله، فلما أساؤوا بإعراقهم فيه كانت عاقبتهم السوء والخذلان، لأنهم أبعدوا أنفسهم عن أسباب الهدى :﴿فمن يهدي﴾ أى بغير إرادة الله، ولفت الكلام من مظهر العظمة إلى أعظم منه بذكر الاسم الأعظم لاقتضاء الحال فقال :﴿من أضل الله﴾ الذبي له الأمر كله، ودل بواو العطف على أن التقدير : ليس أحد يهيدهم لأنهم ابعدوا أنفسهم عن أسباب الهدى فبعدوا عن اسباب النصر لأنهم صاروا على جرف هار في كل أمورهم، فلذا حسن موضع تعقيبه بقوله :﴿وما لهم﴾
٦٣٠


الصفحة التالية
Icon