ولما كان النازع إلى جهتين والمعالج لأمرين متباينين كأنه يتصرف بقلبين، أكد أمر الإخلاص في جعل الهم هماً واحداً فيما يكون من أمور الدين والدنيا، وفي المظاهرة والتبني وكل ما شابهها بضرب المثل بالقلبين - كما قال الزهري، فقال معللاً لما قبله بما فيه من الإشارة إلى أن الآدمي مع قطع النظر عن رتبة النبوة موضع لخفاء الأمور عليه :﴿ما جعل الله﴾ أي الذي له الحكمة البالغة، والعظمة الباهرة، وليس الجعل إلا له ولا أمر لغيره ﴿لرجل﴾ أي لأحد من بني آدم الذين هم أشرف الخلائق من نبي ولا غيره، وعبر الرجل لأنه أقوى جسماً وفهماً فيفهم غيره من باب الأولى ؛ وأشار إلى التأكيد بقوله :﴿من قلبين﴾ وأكد الحقيقة وقررها، وجلاها وصورها لما قد يظن الإنسان من أنه يقدر على صرف النفس إلى الأمور المتخالفة كما يفعل المنافق، بقوله :﴿في جوفه﴾ أي حتى يتمكن من أن ينزع بكل قلب إلى جهة غير الجهة التي نزع إليها القلب الآخر لأن ذلك مودِّ إلى خراب البدن لأن القلب مدبره بإذن الله تعالى، واستقلال كل بالتدبير يؤدي إلى الفساد كما مضى في دليل التمانع سواء ؛ قال الرازي في اللوامع : القلب كالمرآة مهما حوذي به جانب القدس أعرض عن جانب الحس، ومهما حوذي به جانب الحس أعرض عن جانب القدس، فلا يجتمع الإقبال على الله وعلى ما سواه - انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١
وحاصل ذلك أنه تمهيد لأن التوزع والشرك لا خير فيه، وأن مدبر الملك واحد كما أن البدن قلب واحد، فلا التفاف إلى غيره، وأن الدين ليس بالتشهي وجعل الجاعلين، وإنما هو بجعله سبحانه، فإنه العالم بالأمور على ما هي عليه.