ولما كان كل من المظاهرة والتبني ناوعاً إلى جهتين متنافيتين، وكان أهل الجاهلية يعدون الظهار طلاقاً مؤبداً لا رجعة فيه - كما نقله ابن الملقن في عمدة المنهاج عن صاحب الحاوي، وكان المخاطبون قد أعلاهم الوعظ السابق إلى التأهل للخطاب، لفت سبحانه القول إليه على قراءة الغيب في " يعلمون " لأبي عمرو فقال :﴿وما جعل أزواجكم﴾ أي بما أباح لكم من الاستمتاع بهن من جهة الزوجية ؛ ثم أشار إلى الجهة الأخرى بقوله :﴿اللائي تظاهرون منهن﴾ أي كما يقول الإنسان للواحدة منهن : أنت عليّ كظهر أمي ﴿أمهاتكم﴾ بما حرم عليكم من الاستماع بهن حتى تجعلوا ذلك على التأييد وترتبوا على ذلك أحكام الأمهات كلها، لأنه لا يكون لرجل أمان، ولو جعل ذلك
٧٢
لضاق الأمر، واتسع الخرق، وامتنع الرتق ﴿وما جعل أدعياءكم﴾ بما جعل لهم من النسبة والانتساب إلى غيركم ﴿أبناءكم﴾ بما جعلتم لهم من الانتساب إليكم ليحل لهم إرثكم، وتحرم عليكم حلائلهم وغير ذلك من أحكام الأبناء، ولا يكون لابن أبوان، ولو جعل ذلك لضاعت الأنساب، وعم الارتياب، وانقلب كثير من الحقائق أيّ انقلاب، فانفتح بذلك من الفساد أبواب أيّ أبواب، فليس زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي الذي تبينته ابناً لك أيها النبي بتبينك له جزاء له باختياره لك على أبيه وأهله، وهذا توطئة لما يأتي من قصة زواج النبي ﷺ لزينب بنت جحش مطلقة زيد مولى رسول الله ﷺ فإنه ﷺ لما تزوجها قال المنافقون كما حكاه البغوي وغيره : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، وبين أن التبني إنما هو مجاز، وأن المحرم إنما هو زوجة الابن الحقيقي وما ألحق به من الرضاع، وذلك أن النبي ﷺ كان تبنى زيداً بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ﴿ادعوهم لآبائهم﴾.