جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١
لما أبطل سبحانه، استأنف الإخبار عما مضى من عملهم فيه فقال :﴿ذلكم﴾ أي القول البعيد عن الحقيقة، وأكد هذا بقوله :﴿قولكم بأفواهكم﴾ أي لا حقيقة له وراء القول وتحريك الفم من غير مطابقة قلوبكم، فإن كل من يقول ذلك لا يعتقده، لأن من كان له فم كان محتاجاً، ومن كان محتاجاً كان معرضاً للنفائص كام معرضاً للأوهام، ومن غلبت، عليه الوهام كان في كلامه الباطل ﴿الله﴾ أي المحيط علمه وقدرته وله جميع صفات الكمال ﴿ويقول الحق﴾ أي الكامل في حقيته، الثابت الذي يوافق ظاهره باطنه، فلا قدرة لأحد على نقضه فإن أخبر عن شيء فهو كما قال، ليس بين الخبر والواقع من ذلك المخبر عنه شيء من المخالفة، وإن أتى بقياس فرع على أصل لم يستطع أحد إبداء فرق، فإن أقواله سبحانه سابقة على الواقع لأنها مصدرة فيها بكون، فإذا قال قولاً وجد مضمونه مطابقاً لذلك القول، فإذا طبقت بينهما كانا سواء، فكان ذلك المضمون ثابتاً كما كان ذلك الواقع ثابتاً، فكان حقاً، هكذا أقواله على الدوام، لأنه منزه سبحانه عن النقائص فلا جارحة ثم ليكون بينها وبين معد القول مخالفة من فم أو غيره وعن كل ما يقتضي حاجة، فالآية من الاحتبك : ذكر الفم أولاً دليلاً على نفيه ثانياً والحق ثابناً دليلاً على ضده الباطل أولاً، وسرّ ذلك أنه ذكر ما
٧٣
يدل على النقص في حقنا، وعلى الكمال في حقه، ودل على التنزيه بالإشارة ليبين فهم الفهماء وعلم العلماء ﴿وهو﴾ أي وحده من حيث قوله الحق ﴿يهدي السبيل*﴾ أي الكامل الذي من شأنه أن يوصل إلى المطلوب إن ضل أحد في فعل أو قول، فلا تعولوا على سواء ولا تلتفتوا أصلاً إلى غيره.


الصفحة التالية
Icon