ولما نهى سبحانه عن التبني، وكان النبي ﷺ قد تبنى زيد بن حارثة مولاه لما اختاره على أبيه وأمه، علل سبحانه النهي فيه بالخصوص بقوله دالاً على أن الأمر أعظم من ذلك :﴿النبي﴾ أي الذي ينبئه الله بدقائق الأحوال في بدائع الأقوال، ويرفعه دائماً في مراقي الكمال، ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال ﴿أولى بالمؤمنين﴾ أي الراسخين في الإيمان، فغيرهم أولى في كل شيء من أمور الدين والدنيا لما حازه من الحضرة الربانية ﴿من أنفسهم﴾ فضلاً عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم، لأنه لا يدعوهم لا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء بل الملوك بل أعظم بهذا السبب الرباني، فأيّ حاجة له إلى السبب الجسماني ﴿وأزواجه﴾ أي اللاتي دخل بهن لما لهن من حرمته ﴿أمهاتهم﴾ أي المؤمنين من الرجال خاصة دون النساء، لأنه لا محذر من جهة النساء، وذلك في الحرمة والإكرام، والتعظيم والاحترام، وتحريم النكاح دون جواز الخلوة والنظر وغيرهما من الإحكام، والتعظيم بينهن وبين الأمهات في ذلك أصلاً، فلا يحل انتهاك حرمتهن بوجه ولا الدنو من جنابهن بنوع نقص، لأن حق النبي ﷺ على أمته أعظم من حق الوالد على ولده، وهو حي في قبره وهذا أمر جعله الله وهو إذا جعل شيئاً كان، لأن الأمر أمره والخلق خلقه، وهو العالم بما يصلحهم وما يفسدهم ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ [الملك : ١٤] روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :" ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ فأيما مؤمن ترك مالاً فلترثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتي وأنا مولاه ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١


الصفحة التالية
Icon