ولما رد الله سبحانه الأشياء إلى أصولها، ونهى عن التشتت والتعشب، وكان من ذلك أمر التبني، وكان من المتفرع عليه الميراث بما كان قديماً من الهجرة والنصرة والأخوة التي قررها النبي ﷺ لما كان الأمر محتاجاً إليها، وكان ذلك قد نسخ بالآية التي في آخر الأنفال، وهي قبل هذه السورة ترتيباً ونزولاً، وكان ما ذكر هنا فرداً داخلاً
٧١
في عموم العبارة في تلك الآية، أعادها منا تأكيداً وتنصيصاً على هذا الفرد للاهتمام به مع ما فيها من تفصيل وزيادة فقال :﴿وأولوا الأرحام﴾ أي القرابات بأنواع النسب من النبوة وغيرها ﴿بعضهم أولى﴾ بحق القرابة ﴿ببعض﴾ في جميع المنافع العامة للدعوة والإرث والنصرة والصلة ﴿في كتاب الله﴾ أي قضاء الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وحكمه كما تقدم في كتابكم هذا، وكما أشار إليه الحديث الماضي آنفاً.
ولما بين أنهم أولى بسبب القرابة، بين المفصل عليه فقال :﴿من﴾ أي هم أولى بسبب القرابة من ﴿المؤمنين﴾ الأنصار من غير قرابة مرجحة ﴿والمهاجرين﴾ المؤمنين من غير قرابة كذلك، ولما كان المعنى : أولى في كل نفع، استثنى منه على القاعدة الاستثناء من أعم العام قوله، لافتاً النظم إلى أسلوب الخطاب ليأخذ المخاطبون منه أنهم متصفون بالرسوخ في الإيمان الذي مضى ما دل عليه في آية الأولوية من التعبير بالوصف، فيحثهم ذلك على فعل المعروف :﴿إلا أن تفعلوا﴾ أي حال كونكم موصلين ومسندين ﴿إلى أوليائكم﴾ بالرق أو التبني أو الحلف في الصحة مطلقاً وفي المرض من الثلث تنجيراً أو وصية ﴿معروفاً﴾ تنفعونهم به، فيكون حينئذ ذلك الولي مستحقاً لذلك، ولا يكون ذو الرحم أولى منه، بل لا وصية لوارث.