ولما كان مجيء الجنود مرهباً، سبب عنه عوده إلى مظهر العظمة فقال :﴿فأرسلنا﴾ أي تسبب عن ذلك أنا لما رأينا عجزكم عن مقابلتهم ومقاومتهم في مقاتلتهم ألهمناكم عمل الخندق ليمنعهم من سهولة الوصول إليكم، ثم لما طال مقامهم أرسلنا بما لنا من العظمة ﴿عليهم﴾ أي خاصة ﴿ريحا﴾ وهي ربح الصبا، فأطفأت نيرانهم.
وأكفأت قدروهم وجفانهم، وسفت التراب في وجوههم، ورمتهم بالحجارة وهدت
٧١
خيامهم، وأوهنت ببردها عظامهم، وأجالت خيلهم ﴿وجنوداً لم تروها﴾ يصح أن تكون الرؤوية بصرية وقلبية، منها من البشر بن مسعود نعيم الغطفاني رضي الله هنه هداه الله للإسلام، فأتى النبي ﷺ وقال : إنه لم يعلم أحد بإسلامي، فمرني يا رسول الله بأمرك! فقال :" إنما أنت فينا رجل واحد والحرب خدعة، فخذل عنا مهما استطعت " فأخلف بين اليهود وبين العرب بأن فال لليهود وكانوا أصحابه : إن هؤلاء - يعني العرب - إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا بلادهم راجعين.
وليس حالكم كحالهم، البلد بلدكم وبه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم ليكونوا عندكم حتى تناجزوا الرجل، فإنه ليس لكم بعد طاقة إذا انفرد بكم، فقالوا : أشرت بالرأي، فقال : فاكتموا عني، وقال لقريش : قد علمتم صحبتي لكم وفراقي لمحمد، وقد سمعت أمراً ما أظن أنكم تتهونني فيه، فقالوا : ما أنت عندنا بمتهم، قال : فاكتموا عني، قالوا : نفعل، قال : إن اليهود قد ندموا على نقض ما بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه : إنا قد ندمنا فهل ينفعك عندك أن نأخذ لك من القوم جماعة من أشرافهم تضرب أعناقهم، ونكون معك على بقيتهم، حتى تفرغ منهم لتكف عنا.


الصفحة التالية
Icon