وتعيد لنا الأمان، قال : نعم، فإن أرسلوا إليكم فى تدفعوا إليهم رجلاً واحداً، ثم أتى غطفان فقال : إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ، قالوا : صدقت، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش واستكتمهم، فأرسلت إليهم قريظة يطلبون منهم رهناً فقالوا : صدق نعيم، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحداً، فقالت قريظة : صدق نعيم، فتخاذلوا واختلفت كلمتهم، فانكسرت شوكتهم، وبدرت حدتهم، ومنها من الملائكة جبرائيل عليه السلام ومن أراد الله منهم - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، فكبروا في نواحي عسكرهم، وزلزلوا بهم، وبثوا الرعب في قلوبهم، فماجت خيولهم، واضمحل قالهم وقيلهم، فكان في ذلك رحيلهم، بعد نحو أربعين يوماً أو بضع وعشرين - على ما قيل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١
ولما أجمل سبحانه القصة على طولها في بعض هذه الآية، فصلها فقال ذاكراً الاسم الأعظم إشارة إلى أن ما وقع فيها كان معتنى به اعتناء من بذل جميع الجهد وإن كان الكل عليه سبحانه يسيراً :﴿وكان الله﴾ الذي له جميع صفات الكمال والجلال والجمال ﴿بما يعلمون﴾ أي الأحزاب من التحزب والتجمع والتألب والمكر والقصد
٧١
السيئ - على قراءة البصري، وأنتم أيها المسلمون من حفر الخندق وغيره من الصدق في الإيمان وغيره - على قراءة الباقين ﴿بصيراً﴾ بالغ الإبصار والعلم، فدبر في هذه الحرب ما كان المسلمون به الأعلين ولم ينفع أهل الشرك قوتهم، ولا أغنت عنهم كثرتهم، ولا ضر المؤمنين قلتهم، وجعلنا ذلك سبباً لإغنائهم بأموال بني قريظة ونسائهم وأبنائهم وشفاء لأدواتهم بإراقة دمائهم - كما سيأتي ؛ ثم ذكرهم الشدة التي حصلت بتمالئهم فقال مبدلاً من ﴿إذ﴾ الأولى :﴿إذ جاؤوكم﴾ أي الجنود المذكورن بادئاً بالأقرب إليهم، لأن الأقرب أبصر بالعورة وأخبر بالمضرة.


الصفحة التالية
Icon