فأظهروا اشتداد العناية والعمدة فقال :﴿ولو دخلت﴾ أي بيوتهم من أيّ داخل كان من هؤلاء الأحزاب أو غيرهم، وأنث الفعل نصاً على المراد وإشارة إلى أن ما ينسب إليهم جدير بالضعف، وعبر بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ إشارة إلى أنه دخول غلبة ﴿من أقطارها﴾ أي جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب.
ولما كان قصد الفرار مع الإحاطة بالدار، من جميع الأقطار، دون الاستقتال للدفع عن الأهل والمال، بعيداً عن أفعال الرجال ؛ عبر بأداة التراخي فقال :﴿ثم سئلوا﴾ أي من أيّ سائل كان ﴿الفتنة﴾ أي الخروج منها فارّين، وكأنه سماه بها لأنه لما كان أشد الفتنة من حيث أنه لا يخرج الإنسان من بيته إلا الموت أو ما يقاربه كان كأنه لا فتنة سواه ﴿لأتوها﴾ أي الفتنة بالخروج فراراً، إجابة لسؤال من سألهم مع غلبة الظن بالدخول على صفة الإحاطة أن لا نجاة، فهم أبداً يعولون على الفرار من غير قتال حماية لذمار او دفعاً لعار، أو ذباً عن أهل أو جار، وهذا المعنى ينتظم قراءة أهل الحجاز بالقصر وغيرهم بالمد، فإن من أجاب إلى الفرار فقد أعطى ما كأنه كان في يده منه غلبة وجبناً وقد جأءه وفعله.
ولما كان هذا عند العرب - مع ما لهم من النجدة والخوف من السبة - لا يكاد يصدق، أشار إلى ذلك بتأكيده في زيادة تصويره فقال :﴿وما تلبثوا بها﴾ أي البيوت ﴿إلا يسيرا*﴾ فصح بهذا أنهم لا يقصدون إلا الفرار، لا حفظ البيوت من المضار، ويدلك على هذا المعنى إتباعه بقوله مؤكداً لأجل ما لهم من الإنكار والحلف بالكذب :﴿ولقد كانوا﴾ أي هؤلاء الذين أسرعوا الإجابة إلى الفرار مع الدخول عليهم على تلك الصفة من سبي حريمهم واجتياح بيضتهم ﴿عاهدوا الله﴾ أي الذي أجلّ منه.


الصفحة التالية
Icon