ولما كان العهد ربما طال زمنه فنسي، فكان ذلك عذراً لصاحبه، بين قرب زمنه بعد بيان عظمة المعاهد اللازم منه ذكره، فقال مثبتاً الجار :﴿من قبل﴾ أي قبل هذه الحالة وهذه الغزوة حين أعجبتهم المواعيد الصادقة بالفتوحات التي سموها الان عندما جد الجد مما هي مشروطة به من الجهاد غروراً ﴿لا يولّون﴾ أي يقربون عدوهم ﴿الأدبار﴾ أي أدبارهم أبداً لشيء من الأشياء، ولا يكون لهم عمل إذا حمى الياس، وتخالط الناس، واحمرت الحدق وتداعس الرجال، وتعانق الحماة الأبطال إلى الظفر أو الموت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨١
ولما كان الانسان قد يتهاون باعهد لاعراض المعاهد عنه قال :﴿و كان عهد الله﴾
٧٤
أي الوفاء بعهد من هو محيط بصفات الكمال.
ولما كان العهد فضلة في الكلام لكونه مفعولاً، واشتدت العناية به هنا، بين ذلك بتقديمه أولاً ثم يجعله العمدة، وإسناد الفعل إليه ثانياً فقال :﴿مسؤولاً*﴾، أي في أن يوفي به ذلك الذي وقع منه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨١
ولما أتم سبحانه ما أخبر به رسوله ﷺ كما دل عليه التعبير بالنبي، استأنف أمره بجوابهم جواباً لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم ؟ وإجراء للنصحية على لسانه لما هو مجبول عليه من الشفقة، ﴿قل﴾ أي لهم، وأكد لظنهم نفع الفرار :﴿لن ينفعكم﴾ أي في تأخير آجالكم في وقت من الأوقات ﴿الفرار﴾ أي الذي ما كان استئذانكم إلا بسببه ﴿إن فررتم من الموت﴾ أي بغير عدو ﴿أو القتل﴾ لأن الأجل إن كان قد حضر، لم يتأخر بالفرار وإلا لم يقصره الثبات كما كان علي رضي الله عنه يقول : إذا دهم الأمر، وتوقد الجمر، واشتد من الحرب الحر، أيّ يومي من الموت أفر ؟ يوم لا يقدر أو يوم يقدر، وذلك أن أجل الله الذي أجله محيط بالإنسان لا يقدر أن يتعداه أصلاً ﴿وإذا﴾ أي وإذ فررتم.


الصفحة التالية
Icon