ولما كانوا لا يقصدون بالعيش إلا التمتع، بين ذلك بالبناء للمجهول فقال :﴿لا تمتعون﴾ أي تمتعاً مبالغاً فيه كما تريدون بما بقي من أعماركم إن كان بقي منها شيء ﴿إلا قليلاً﴾ بل يتمكن العدو منكم بأدباركم، ومن أموالكم وأحسابكم ودياركم، فيفسد مهما قدر عليه من ذلك فلا تقدرون على تدراكه إلا بعد زمان طويل وتعب كبير، بخلاف ما إذا ثبتم وفاء بالعهد وحفظاً للثناء فلاقيتم الأقرن، وقارعتم الفرسان، اعتماداً على ربكم وطاعة لنبيكم، فإن كان الأجل قد أتى لم ينقصكم ذلك شيئاً، ومتم أعزة كراماً، وإلا غزتم بالنصر، وحزتم الأجر، وعشتم بأتم نعمة إلى تمام العمر، فالثبات أبقى للمهج، وأحفظ للعيش البهج.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٥
ولما كانوا لما عندهم من التقيد بالوهم، والدوران مع الحس دأب البهم، جديرين
٧٥
بأن يقولوا : بلى لأنا طالما رأينا من هرب فسلم، ومن ثبت فاصطلم، أمره بالجواب عن هذا بقوله :﴿قل﴾ أي لهم منكراً عليهم :﴿من ذا الذي يعصمكم﴾ أي يمنعكم ﴿من الله﴾ المحيط بكل شيء قدرة وعلماً قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده ﴿إن أراد بكم سوءاً﴾ فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم ﴿أو﴾ يهينكم ويقبح جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن ﴿أراد لكم رحمة﴾ فأفادكم نعمه، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز، أو اجتهد غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئاً من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد هلى كشفه بدون إذنه ؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك : ذكر السوء أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، وذكر الرحمة ثانياً دليلاً على حذف ضدها أولاً.


الصفحة التالية
Icon