ولما كان التقدير : في حال الأمن، أتبعه بيان حالهم في الخوف فقال :﴿فإذا جاء الخوف﴾ أي لمجيء أسبابه من الحرب ومقدماتها ﴿رأيتهم﴾ أي أيها المخاطب ﴿وينظرون﴾ وبين بعدهم حساً ومعنى بحرف الغاية فقال :﴿إليك﴾ أي حال كونهم ﴿تدور﴾ يميناً وشمالاً بإدارة الطرف ﴿أعينهم﴾ أي زائغة رعباً وخوراً، تم شبهها في سرعة تقلبها لغير قصد صحيح فقال :﴿كالذي﴾ أى كدوران عين الذي، وبين شدة العناية بتصوير ذلك بجعل المفعول عمدة ببناء الفعل له فقال :﴿يغشى عليه﴾ مبتدئاً غشيانه ﴿من الموت﴾ سنة الله في أن كل من عامل الناس بالخداع، كان قليل الثبات عند القراع ؛ ثم ذكر خاصى أخرى لبيان جبنهم فقال :﴿فإذا ذهب الخوف﴾ أي بذهاب أسبابه ﴿سلقوكم﴾ أي تناواوكم تناولاً صعباً جرأة ووقاحة، ناسين ما وقع منهم عن قرب من الجبن والخور ﴿بألسنة حداد﴾ ذربة قاطعة فصيحة بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللجلجة لا تقدر على الحركة من قلة الريق ويبس الشفاه، وهذا لطلب العرض الفاني من الغنيمة أو غيرها ؛ ثم بين المراد بقوله :﴿أشحة﴾ أي شحاً مستعلياً ﴿على الخير﴾ أي المال الذي عندهم، وفي اعتقادهم أنه لا خير غيره، شحاً لا يريدون أن يصل شيء منه إليكم ولا يفوتهم شيء منه، وهذه سنة أخرى في أن من كان صلباً في الرخاء كان رخواً حال الشدة وعند اللقاء، وإنما فسرت الشح بهذا لأن مادته بترتيبها تدور على الجمع الذي انتهى فأشرف على الفساد، من الحشيش والمحشة، وهي الدبر، فهو جمع يتبعه في الأغلب نكد وأذى، ومن لوازم مطلق الجمع القوة فتتبعها الصلابة، فربما نشأت القساوة، وربما نشأت عن الجمع الفرقة فازمها الرخاوة، فمن الجمع النكد الشح وهو البخل والحص، وشح النفس حرصها على ما ملكت، قال القزاز : وجمع الشحيح في أقل العدد أشحة، ولم أسمع غيره، وحكى أبو يوسف : أشحاء - بالمد في الكثير، والرجلان يتشاحان عن الأمر - إذا كان كل منهما يري


الصفحة التالية
Icon