ولما كان من عمل عملاً لم يقدر غيره وإن كان أعظم منه أن يبطل نفعه به إلا بسعر شديد، قال تعالى :﴿وكان ذلك﴾ أي الإحباط العظيم مع ما لهم من الجرأة في الطلب والإلحاف عند السؤال وقلة الأدب ﴿على الله﴾ بما له من صفات العظمة التي تخشع لها الأصوات، وتخرس الألسن الذربات ﴿يسيراً*﴾ لأنه لا نفع إلا منه وهو الواحد القهار، وأما غيره فإنما عسر عليه ذلك، لأن النفع من غيره - وإن كان منه حقيقة - قهره غيره بالشفاعات ووجود النكد أو غيرها عليه، وكأنهم لما ذهب استمرو خاضعين
٨٩
لم يطلقوا ألسنتهم ولا أعلو كلمتهم، فأخبر تعالى تحقيقاً لقوله الماضي في جبنهم أن المانع الذي ذكره لم يزل من عندهم لفرط جبنهم، فقال تحقيقاً لذلك وجواباً لمن ربما قال : قد ذهب الخوف فما لهم ما سلقوا ؟ :﴿يحسبون﴾ أي يظنون لضعف عقولهم في هذا الحال، وقد ذهب الخوف، لشدة جبنهم وما رسخ عندهم من الخوف ﴿الأحزاب﴾ وقد علمتم أنهم ذهبوا ﴿لم يذهبوا﴾ بل غابوا خداعاً، وعبر بالحسبان لأنه - كما مضى عن الحرالي في البقرة - ما تقع غلبته فيما هو من نوع ما فطر الإنسان عليه واستقر عادة له، والظن فيما هو من المعلوم المأخوذ بالدليل والعلم، قال : فكان ضعف علم العالم ظن، وضعف عقل العاقل حسبان.


الصفحة التالية
Icon