ولما أخبر عن حالهم في ذهابهم، أخبر عن حالهم لو وقع ما يخوفونه من رجوعهم، فقال معبراً بأداة الشك بشارة لأهل البصائر أنه في عداد المحال :﴿وإن يأتِ الأحزاب﴾ أي بعد ما ذهبوا ﴿يودّوا﴾ أي يتجدد لهم غاية الرغبة من الجبن وشدة الخوف ﴿لو أنهم بادون﴾ أي فاعلون للبدو وهو الإقامة في البادية على حالة الحل والارتحال ﴿في الأعراب﴾ الذين هم عندهم في محل النقص، وممن تكره مخالطته ولو كان تمنيهم في ذلك الحين محالاً ؛ ثم ذكر حال فاعل " بادون " فقال :﴿يسألون﴾ كل وقت ﴿عن أنبائكم﴾ العظيمة معهم جرياً على ما هم عليه من النفاق ليبقوا لهم عندكم وجهاً، كأنهم مهتمون بكم، يظهرون بذلك تحرقاً على غيبتهم عن هذه الحرب أو ليخفوا غيبتهم ويظهروا أنهم كانوا بينكم في الحرب بأمارة أنه وقع لكم في وقت كذا أو مكان كذا كذا، ويكابروا على ذلك من غير استيحاء لأن النفاق صار لهم خلقاً لا يقدرون على الانفكاك عنه، ويرشد إلى هذا المعنى قراءة يعقوب " يسألون " بالتشديد ﴿ولو﴾ أي والحال أنهم لو ﴿كانوا فيكم﴾ أي حاضرين لحربهم ﴿ما قاتلوا﴾ أي معكم ﴿إلأ قليلاً﴾ نفاقاً كما فعلوا قبل ذهاب الأحزاب من حضورهم معكم تارة واستئذانهم في الرجوع إلى منازلهم أخرى، والتعويق لغيرهم بالفعل كرة، والتصريح بالقول أخرى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٥
ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي غاية في الدناءة، أقبل عليهم إقبالاً
٩٠


الصفحة التالية
Icon